السبت، 12 نوفمبر 2011

ليبرالية حمدوك الاقتصادية


ليبرالية حمدوك الاقتصادية

                        د. عمر محجوب الحسين
            الليبرالية السياسية (Liberalism) كما نعرف هي مذهب سياسي يرعى استقلالية السلطة التشريعية والسلطة القضائية عن السلطات التنفيذية والاجرائية؛ والديمقراطية هي التطبيق العملي لفكرة اللبرالية السياسية، نسأل هنا سؤال لماذا وصف حمدوك وطاقمه بأنهم ليبراليون ؟ وباختصار لأنهم يدعون الى التحرر السياسي والاقتصادي. ورغم غموض مصطلح الليبرالية كما يقول دونالد سترومبرج الذى شبهه بمصطلح الرومانسية الذى لا يزال حتى اليوم في حالة من الغموض والابهام.
            الذى يهمنا من ليبرالية حمدوك السياسية هل هي بالضرورة مدخل لإدارة الشأن الاقتصادي ونقصد هنا الليبرالية الاقتصادية ( Economic Liberalism) التي هي مذهب فلسفي يرى انه ليس على الدولة تولى امر الصناعة والاستثمار ولا يحق لها التدخل في العلاقات الاقتصادية، وهذا المعنى هو اطار الليبرالية الكلاسيكية؛ اما الليبرالية المعاصرة مرتبطة بالعولمة من خلال تقليل تدخل الدولة في انتقال المال عبر الحدود للحصول على اعلى ربح، وتحقيق اكبر مصلحة؛ ولدينا مثال على ذلك الولايات المتحدة وحروبها الاقتصادية، واستفرادها بالقرار الاقتصادي العالمي منذ تخليها عن قاعدة الذهب في عام 1971م. وبهذا المفهوم نجد ان الليبرالية الاقتصادية ذات صلة بمفاهيم مثل جعل تدخل الدولة في الحد الادنى، ترك الاقتصاد يعمل بنفسه دون تدخل وتترك الأسواق تضبط نفسها بنفسها, وهذا هو (مذهب الاقتصاد الحر).
            وتحدث الناس عن ليبرالية حمدوك ايضاً بسبب خلفية حمدوك الذى كان مسؤولاً كبيراً في اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، ووزير المالية البدوي الذى ينتمى الى صندوق النقد الدولي ومدرسة نظرياته الاقتصادية التي تنتمى الى المدرسة الفكرية الليبرالية؛ وكلام حمدوك عن الاستثمار والمستثمرين الاجانب وما قاله حرفياً حول انتقال المال "اذا ما حققت ربحاً وترغب في اعادة ربحك الى الخارج فسوف نكون منفتحين على ذلك", وذكر مسؤول أمريكي في حديث سابق لقناة (الحرة) " نتطلع الى مراجعة تفاصيل هذه الخطة (خطة حمدوك الاقتصادية) ومناقشة المقترحات مع الحكومة السودانية والشركاء الدوليين" وهذا قطعاً لن يكون إلا في اطار المنهج الاقتصادي الليبرالي. نأتي الان الى دراسة المحددات الاجرائية المتعلقة بالفعل الاقتصادي في مشروع البرنامج الاسعافي والسياسات البديلة في جانبه الاقتصادي الذى اعدته مجموعة من الخبراء والباحثين من قوى الحرية والتغيير للعام الاول الانتقالي؛ ففي السياسات المالية النقدية وعمليات الاستيراد، يتم الغاء منشورات بنك السودان المركزي ارقام 7/ 2018 و 12/ 2018 الخاصين بضوابط الاستيراد وتعديلات ضوابط تنظيم الاستيراد وهذا يعنى السماح بالدفع المقدم عند الاستيراد، والسماح بالاستيراد بالموارد الذاتية للعملاء بالنقد الاجنبي، ويعنى السماح للبنوك بتنفيذ عمليات الاستيراد دون موافقة البنك المركزي، وسمح بالاستيراد دون تحويل القيمة (Nil Value) وهذا سوف يحد من سيطرة وتحكم الدولة والرقابة على النقد؛ ايضا جاء من ضمن هذه السياسات التحرير الكامل لسعر صرف الجنيه مقابل العملات الاجنبية، الغاء الدولار الجمركي، تشجيع تجار العملة على فتح صرافات لبيع وشراء العملات الاجنبية، رفع الدعم عن البنزين تدريجياً من السنة الأولى، تتولى جميع الشركات العاملة في توزيع المواد البترولية مسؤولية تمويل استيراد المواد البترولية بالكامل، ومن غريب الامر ما جاء حول توفير مدخلات الانتاج المحلي الآتي  تتولى كل جهة، سواء كانت مصنعا أو مزرعة أو غير ذلك، توفير احتياجاتها من الخارج بتمويل ذاتي بعيدا عن الحكومة وعن طريق الجهاز المصرفي، وهذا تنصل من سياسة دعم الانتاج المحلى والاعتماد على المنتجات المستوردة وهذا استنزاف لموارد الدولة من العملات الاجنبية وهو ظاهر في سياسيه الاستيراد والسياسة المالية والنقدية المزمع اتباعاها، وايضا يجعل الإنتاج غير قادر على تحقيق ايرادات للدولة بحسب ان القطاع ليس لديه القدرة والمرونة في الحصول على قروض من خارج السودان خاصة قطاع الانتاج الزراعي، ايضا اشارات هذه السياسية الى إلغاء تسعير الأدوية بواسطة المجلس القومي للأدوية والسموم مما يجعل الدواء يرتبط بحركة تغير الاسعار دون رقيب، مع إعفاء الشركات المستوردة للأدوية المصنعة من الضرائب والرسوم الحكومية المفروضة على استيراد وتصنيع الأدوية وذلك طوال الفترة الانتقالية، ايضاً ذكر في من هذه السياسة الابتعاد عن أي نوع من التشجيع لزراعة القمح في السودان، حيث أنه ليس للسودان ميزة تفضيلية في زراعة القمح، والأجدى اقتصاديا استيراده وليست زراعته، ويعنى استيراده استنزاف مواردنا من العملة الاجنبية، حرية شركات المطاحن في تحديد سعر بيع الدقيق دون تدخل من الدولة، وتساهم الدولة بإعفاء شركات المطاحن من الضرائب والرسوم الحكومية طوال الفترة الانتقالية، كما يُعفى القمح من الرسوم الجمركية وجميع الرسوم الحكومية، ويعنى ذلك ترك اسعار الدقيق ومنتجاته نهباً لتغيرات اسعار السوق وضمناً رفع الدعم عن سلعة القمح. كل ما جاء بخصوص السياسة المالية والنقدية وسياسة الاستيراد تعتبر سياسات ومفاهيم السوق الحر وبالتالي مفهوم الليبرالية الاقتصادية، وكل هذه السياسية هي سياسات صندوق النقد الدولي المهلكة والتي لم طبقتها دولة إلا وفشلت اقتصادياً.
            ان اهم عيوب نظام السوق الحر الليبرالي، التي تُحدثنا عنها التجارب حول العالم في الدول الفقيرة والنامية، أنه يزيد من أزمات الفئات الفقيرة الاجتماعية، وزيادة الاحتكار من خلال التحكم في القطاعات الاقتصادية المختلفة، والتحكم في اسعار منتجات تلك القطاعات وبالتالي سوء توزيع الدخل بين افراد المجتمع، ونعلم أن قضية عدالة توزيع الدخل والثروة تمثل أحد أركان العدالة والتنمية والحفاظ على الديمقراطية.
            ان السياسات المالية والنقدية وسياسة الاستيراد وتوفير السلع الاساسية الواردة في مشروع البرنامج الاسعافي والسياسات البديلة لقوى الحرية والتغيير يمثل سياسة اقتصادية ليبرالية بامتياز، سوف تتبنى لأجلها الحكومة سياسة السوق الحر ووصفة البنك الدولي التي قال عنها جوزيف ستيجليتز الاقتصادي الأمريكي المعروف والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2001م انها وصفات للخراب الاقتصادي وأن من يدفع ثمنها هم الفقراء، فهل يتبع حمدوك الليبرالية الاقتصادية أم سوف يكتفي بليبراليته السياسية لأجل الشعب وثورته وثقتهم واملهم فيه ؟.

الجمعة، 12 نوفمبر 2010

هل تنهار إمبراطورية الدولار؟

د. عمر محجوب محمد الحسين

هل تنهار إمبراطورية الدولار؟


          دعا روبرت زوليك رئيس البنك الدولي( 1 يوليو 2007 حتى 30 يونيو 2012)، البلدان الكبرى إلى السعي نحو إيجاد  نظام عالمي يضمن العودة لمعيار الذهب (بريتون وودز2)  يحدد عن طريقه أسعار العملات خلفا لنظام (بريتون وودز) لسعر الصرف الثابت المنتهى في عام 1971م، وجاءت هذه الدعوة  قبل انعقاد قمة العشرين التي سوف تناقش ما أصبح يعرف بحرب العملات التي بدأتها اليابان بتحركها الأحادي الذي هدفت من خلاله إلى خفض قيمة الين وإضعافه وتلي ذلك تحركات مشابهة من دول مثل كوريا الجنوبية وكولومبيا وتايلاند مما حدا بوزير مالية البرازيل غوديا مانتيفا حينها بالتصريح بأن العالم يشهد حرب عملات دولية، والآن توجد أزمة قائمة بين الدول الغربية والصين التي تتهم بأنها تجعل سعر اليوان مخفضا بشكل مصطنع. والمتتبع لسياسات الدول النقدية يجد أن حرب العملات ما هي إلا انعكاس للحالة السياسية حيث تلجأ كثيرا الحكومات إلى التدخل في أسواق العملات المحلية عن طريق زيادة المعروض من النقد أو السيولة لتشجيع التجارة وخفض البطالة أو العكس بكبح جماح التضخم بتقليل السيولة النقدية .
          ومعيار الذهب أو غطاء الذهب الدولي كان نظام مالي يتم فيه الاعتماد على معدن الذهب كقاعدة لتحديد قيمة العملة وكانت الحكومات التي تتبع هذه القاعدة تقوم بتحويل أي عملة لديها إلي ذهب بعد تحديد أسعار ثابتة  لشراء وبيع الذهب؛ وأول دولة تبنت هذه السياسة النقدية هي بريطانيا في عام 1821م وتبعها دول غربية بعد ذلك، ولكن تناقص دور الذهب منذ العام 1971م بقيام الولايات المتحدة الأمريكية بفك الارتباط بين الدولار والذهب عام 1971م في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، وذلك بعد طلب الرئيس شارل ديجول استبدال الدولارات الموجودة لدى البنك المركزي الفرنسي بما يعادلها من الذهب . وكانت الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي ولضمان استقرار أسعار صرف عملاتها وافقت بين عامي 1945م- و1971م على اتخاذ الدولار كأساس للمحافظة على هذا الاستقرار. وبذلك كانت الغلبة للدولار بعد أن خرجت الدول الغربية من الحرب العالمية الثانية وهى منهكة اقتصاديا بينما كانت أمريكا  تزداد قوتها الاقتصادية والعسكرية وجبروتها. والغريب أن مفهوم الفائض والعجز في ميزان المدفوعات ينطبق على كل دول العالم عدا الولايات المتحدة الأمريكية حيث لا يعد تحقق فائض في الميزان التجاري الأمريكي دليلا على تحسن في قيمة الدولار بأسواق النقد كما يحدث عادة لبقية عملات العالم؛ كما لا يعنى العجز انخفاض في قيمة الدولار ، والمفارقة الغريبة في الأمر انه باستطاعة الحكومة الأمريكية الإنفاق بسخاء على حروبها وغزواتها الخارجية ويمكن لمستثمريها شراء أصول وحقوق خارج الولايات المتحدة الأمريكية سواء كان هناك عجز أو فائض في الميزان التجاري بمعنى انه تستطيع أمريكا إنفاق واستثمار أموال تفوق بكثير قيمة أي فائض تحققه، ونجد أن استثمار هذا العجز في الحقيقة هو بضائع وخدمات مستوردة بالرغم من بقائها الظاهر خارج الولايات المتحدة الأمريكية، والمستثمرون الأمريكيون يملكون استثمارات خارجية بقيمة 17.6 تريليون دولار حسب إحصاءات 2007م منها ما نسبته 41% أصول مالية في شكل أسهم؛ بينما بلغت الاستثمارات الأجنبية الرسمية والخاصة بأمريكا فقط 3.3 تريليون دولار.و ذكرت وزارة التجارة الأمريكية في تقرير لها أن عجز الميزان التجاري تقلص في سبتمبر2010م بنسبة 5.3% ليصل إلى 44 مليار دولار إلا أن العجز مع الصين اتسع إلى 27.8 مليار دولار في اغسطس2010م بالمقارنة مع عجز 22.1 مليار دولار خلال سبتمبر2009م.
          تركت الإدارة الأمريكية متعمدة سعر صرف  الدولار ينخفض أمام العملات الرئيسية الأخرى لإيجاد ما يسمى بـ(الدولار الضعيف) لتشجيع صادراتها للنفاذ إلى الأسواق العالمية نتيجة لقلة تكاليف الواردات إلى أسواقها وينتج عن ذلك تقليل العجز في الميزان التجاري المتزايد خاصة مع الصين وكوريا واليابان. إذن توظف الإدارة الأمريكية هذا الخفض المدروس والمرشد لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية تخدم مصالحها دون النظر لتأثير ذلك على جملة الأوضاع الاقتصادية العالمية في المدى البعيد أو حتى على اقتصاد أمريكا نفسها و أزمة الرهن العقاري الأمريكي المستمرة كبدت الدولار خسائر إضافية أمام العملات الأخرى بعجز المقترضين عن سداد قروض الرهن العقاري عالية المخاطر وحدوث كساد بالاقتصاد كما حدث بالأسواق المالية الأمريكية. أيضا هذا  الخفض لا يؤثر فقط على الولايات المتحدة الأمريكية فقد يؤدى إلى هروب رؤوس الأموال القادمة إلى أمريكا وهروب رؤوس الأموال الأمريكية إلى الخارج وتراجع أسعار السندات والأسهم مما يؤدى إلى ازدياد التضخم بسبب ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة. ولا ننسى أن الولايات المتحدة الأمريكية لجأت إلى رفع سعر الفائدة على الدولار أكثر من 17 مرة منذ 2004م حتى 2006م لتصل إلى ما نسبته 5.25% لمعالجة فجوة الادخار بتشجيع الدول الأجنبية للدخول إلي السوق الأمريكي، كما أن الاقتصاد الأمريكي تراجعت نسبة نمو الناتج المحلى إلى 5.6% في الربع الأول من العام الماضي. وزامة الرهن العقاري الأمريكية جرت العالم وأسواقه المالية إلى اضطراب كبير مما حدا بكثير من البنوك المركزية في عدد من الدول بالتدخل بضخ سيولة في الأسواق لتهدئة الأوضاع وطمأنة المستثمرين. وكما لاحظنا لم يؤدى ذلك المطلوب لجعل الأسواق المالية مستقرة مما دفع بعض الدول التي تمتلك احتياطيات ضخمة من الدولارات إلى تقليل نسبة وجوده لديها ضمن احتياطياتها مما أدى إلى هبوط حصة العملة الأمريكية من مجمل الاحتياطيات الدولية إلى أدنى مستوى منذ العشر سنوات الأخيرة. ورغم أن الدول الأوربية تستفيد من تراجع الدولار نتيجة لانخفاض سعر برميل البترول لكن يكون هناك تأثير سلبي على صادراتها حيث تصبح ذات سعر عالي عند دخولها السوق الأمريكية. ونذكر هنا أن من أهم أسباب ارتفاع أسواق الذهب المتصاعدة انخفاض الدولار حيث سعى المتعاملين الحفاظ على قيمة الذهب الحقيقيه. من الواضح أن التزام السياسة الأمريكية بشعار دولار قوى قد ضعف بعد أن اكتشفوا أن جنى الأرباح والمكاسب لأمريكا يتم عبر انخفاض الدولار وكثي من المحللين يرون أن انخفاض الدولار سوف يستمر حتى تزول أسباب انخفاضه ولا مؤشرات تلوح في الأفق بتدخل بنك الاحتياط المركزي الأمريكي في الوقت الراهن بسبب استفادة أمريكا من هذا الانخفاض.
          فهل دعوة روبرت زوليك لابتداع نظام جديد يقوم على معيار الذهب تجدي نفعا في ظل وجود تلك السياسات الأمريكية الخرقاء على الصعيدين العسكري والاقتصادي، وأغلب الطن أنها لن تجدي لأن أمريكا فقط تسعى إلى الحفاظ على سيطرتها الاقتصادية والعسكرية ولأنه ليس لديها الرغبة الصادقة بشان الجلوس مع الصين كما فعلت مع اليابان عندما كانت هي القوى الاقتصادية الصاعدة في آسيا آنذاك، ودعوة زوليك -الموظف السابق بوزارة الخزانة الأمريكية- للدول الكبرى لمساعدة الدول النامية في مجال تطوير بنياتها التحتية وقطاعاتها الاقتصادية  دعوة يشوبها كثير من الشك والريبة حيث أن تطوير تلك البني التحتية والقطاعات الاقتصادية تصب في المقام الأول في مصلحة أمريكا والدول الغربية.
          أم على الدول التي ترزح تحت عباءة الدولار ووقعت معاهدة بريتون وودز أن يكون لديها القدرة الكافية للتخلي عن الدولار وإعادة النظر فيما جنت أيديهم بتوقيعهم تلك المعاهدة.

أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي

د. عمر محجوب محمد الحسين https://sudanile.com/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%...