‏إظهار الرسائل ذات التسميات هل نجحت قطر في عبور حالة الحصار؟. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات هل نجحت قطر في عبور حالة الحصار؟. إظهار كافة الرسائل

السبت، 9 فبراير 2019

هل نجحت قطر في عبور حالة الحصار؟

          كانت المقاطعة الدبلوماسية والحصار الاقتصادي على دولة قطر من الدول التي تربطها بها علاقات جوار وصلات قربى؛ ولكن رغم الإحساس بالمفاجأة والمرارة بهذا الحصار، لم يكن هذا الحصار وبالاً على قطر ولم يشكل لها سوى معرفة نوايا الجيران الحقيقية وماذا يضمرون تجاهها؛ إذ أثبتت نتائج هذا الحصار مدى قدرتها على تخطي الأزمات، ومدى تفوقها وعلو شأنها إعلامياً ودبلوماسياً ومدى قدرتها على ضبط النفس. وأظهرت الأزمة مدى قدرات الكوادر القطرية ومهاراتها في مجابهة كل الظروف، وكان الجيران يحسبون أنها سوف تنهار في سويعات رغم قناعتهم بتفوقها الإعلامي والرياضي وهذا ما دلت عليه مطالباتهم بإيقاف قناة الجزيرة وسحب تنظيم كأس العالم من قطر من خلال حملة مسعورة وعمياء أثارت السخرية؛ لكن فاجأتهم قطر بمستوى الدبلوماسية وحصافة كوادر وزارة الخارجية  ابتداءً من وزير الخارجية ومندوبة قطر لدى الامم المتحدة ومندوبها لدى الجامعة العربية، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، انتهاءً بشعبها وتعاطيه مع الأزمة وتعامله من خلال وسائل التواصل الإلكتروني مع ما يعرف بالذباب الالكتروني.
          فدول الحصار حاولت الإضرار بالشعب القطري والمقيمين داخل الدولة من خلال منع إمدادات الغذاء والمواد التموينية والدواء التي كانت تأتي من هذه الدول؛ ولم تتأخر ردة الفعل الإيجابية ففي اليوم التالي للحصار أطلقت وزارة الاقتصاد والتجارة القطرية حملة (معاً لدعم المنتجات الوطنية ) وما كان لها أن تنجح لولا إدراك الشعب القطري والمقيمين لحجم الظلم الذي حدث، وحبهم ووقوفهم خلف قيادتهم الشابة الواعية؛ فمن خلال هذه الحملة تم وضع ملصقات على كافة المنتجات الوطنية تحمل شعار (منتج وطني) وبهذه الحملة عرفنا أن هناك منتجات قطرية كان يحسبها الناس أنها ليست منتجات قطرية، وبذلك التفت الناس إلى المنتجات الوطنية ودعمها دعماً منقطع النظير نتيجةً حتميةً لظلم الحصار؛ ورغم أنه في تلك الأيام التالية للحصار كانت هناك منتجات من دول الحصار لا زالت على رفوف المحال التجارية ولم يكن هناك تعامل بردود الأفعال من الدوائر المختصة بدولة قطر بإصدار أوامر للمحال للتخلص من هذه المنتجات، أو حملة لتوجيه الناس بعدم شراء هذه المنتجات الخاصة بدول الحصار؛ وهذا يدل على مدى حكمة القائمين على الأمر ومدى قدرتهم على التعامل مع الأوضاع  الطارئة دون رد فعل يعمى البصيرة.
          ونذكر هنا أن قطر أدركت منذ أمد طويل أن المال فقط لن يحقق المشروعات الرأسمالية؛ لذلك نجدها منذ أن وضعت رؤيتها، كان هدفها هو خلق اقتصاد معرفي متنوع أساسه التعليم، يخدمها خدمة مستدامة دون التركيز على المال في المقام الأول؛ ولا شك أن هذا الاتجاه حفزه الحصار الذي أتاح لقطر فرصة ثمينة لاكتشاف القدرات الإدارية والتنظيمية والاقتصادية الكامنة لدى قياداتها، وهذا يعنى تمكن الدولة من التحصن ضد الأزمات؛ واتضح أيضاً مدى وحجم الفجوة في التفكير العقلاني بينها ودول الحصار. واللافت أن قطر لم تتقوقع وتنغلق على نفسها أبان الأزمة لكن استمرت رعايتها لمشاكل الدول الأخرى، وكذلك لم تنقطع مساهماتها الإقليمية والدولية.           
          إن الحصار الظالم الذى فرضته دول الحصار كان له أثر إيجابي على الاقتصاد القطري من عدة جوانب لا يخطئها المتابع، حيث نجحت قطر وفى غضون بضعة أيام فقط من فرض الحصار في ابتكار واكتشاف طرق تجارية بديلة ومباشرة مع عدد من مناطق الانتاج الاستراتيجية البديلة في جميع أنحاء العالم، مستفيدة من معبرها الجوي المتميز (مطار حمد الدولي) الذي يعد من أفضل المطارات حول العالم لضمان استمرار حركة الطيران واستقبال البضائع بوتيرة طبيعية لأكثر من 150 وجهة حول العالم عبر الخطوط الجوية القطرية. نعم لقد كان الحصار فرصة وليس أزمة اقتصادية؛ فرصة للسير بثقة واكتشاف لروح الإرادة والعزيمة، وها هي مشاريع تنظيم كأس العالم لم تتوقف، وها هي الموضوعات المتعلقة بحقوق الانسان تستمر.
          كان الحصار من الناحية الاقتصادية فرصة لرجال الأعمال والمستثمرين في مختلف الأنشطة الاقتصادية، كما كان فرصة ثمينة لاكتشاف أسواق جديدة ومنتجات أفضل، وإنشاء مشروعات قوية كسرت الحصار وفي وقت وجيز كمشروع بلدنا للألبان على سبيل المثال لا الحصر، وكانت هذه المشروعات والمبادرات تحت رعاية غرفة تجارة وصناعة قطر التي تميز أداؤها منذ بداية الحصار بالفعالية من خلال إتاحة الفرص الواعدة للمنتجين ورجال الأعمال؛ كما نشط بنك التنمية الصناعية من خلال تقديم فرص خصصت للزراعة المنزلية، وهو برنامج هدفه نشر ثقافة الزراعة لدى المواطن القطري باعتبارها خطوة لتعزيز الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية.

          هذا الثبات والصلابة لم تكن في المجال الاقتصادي فقط، بل كانت في المجال الثقافي والسياسي والرياضي، ولم تتوقف أية فعالية ثقافية أو سياسية أو رياضية، بل استمر العطاء باقتدار لأن الأهداف سامية والروح عالية، والحراك ليس عشوائياً. وها هو منتخب قطر الوطني يتربع على أعلى قمة كروية لآسيا بإحرازه لبطولة كأس اسيا 2019م؛ وهذه البطولة المستحقة لم تكن صدفة بل نتيجة عمل دؤوب وجهد وتخطيط سليم، ويأتي إحراز البطولة بالعلامة الكاملة رغم الظروف السياسية المحيطة، والضغوط التي تعرض لها لاعبو المنتخب والتي من بينها حرمانهم من تشجيع جمهورهم.   

          لقد كان الحصار رغم ظلمه ليس أزمة بالنسبة لقطر، إذ مثل فرصة واعدة أتاحت إمكانية تحديد مواطن القوة وتعزيزها، ومعالجة أوجه القصور بما يضمن المحافظة على مرونة الاقتصاد القطري والنمو المستدام لمواجهة مختلف التحديات الاقتصادية الإقليمية والعالمية؛ وعليه فقد ومثل الحصار بداية خطوات السير بثقة أكبر وبلور مهارة اكتشاف مدى قوة روح الابتكار والإرادة لدى القطريين الذين تقف وراءهم قيادة شابة حكيمة وواعية، وظهر ذلك من خلال الدبلوماسية، والقدرة الإعلامية الراشدة، والقوة الاقتصادية، والابداع والابتكار حتى في ظل الحصار؛ فرب ضارة نافعة.

أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي

د. عمر محجوب محمد الحسين https://sudanile.com/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%...