د. عمر محجوب محمد الحسين
أهمية الحوكمة ودورها في الاصلاح الاقتصادي
برز مصطلح الحوكمة (Corporate Governance) بقوة وأصبح
محور اهتمام كثير من المنظمات الإقليمية
والدولية بعد تداعيات الأزمة المالية
الآسيوية في عام 1997م والتي يصفها كثير من المحللين بأنها أزمة ثقة في المؤسسات
والتشريعات والقوانين التي تنظم نشاطات هذه المؤسسات والعلاقة بين أصحاب المصالح
الآخرين (Stakeholders)، ورغم أن هذه المصطلح ظهر في العقدين الأخيرين لتحقيق الإدارة
الرشيدة في الشركات والمؤسسات الاقتصادية بعد أن
أصبحت المؤسسات المالية من أهم حملة الأسهم في الشركات وقامت بعملية إدارة صناديق
المعاشات وصناديق الاستثمار.
وتتعدد
التعريفات لمصطلح الحوكمة فهي تعنى
الإجراءات والأدوات التي يستخدمها ممثلي أصحاب المصالح في المنظمات لتوفير رقابة
على المخاطر التي تنشأ من تصرفات الإدارة، وعرف البنك الدولي الحوكمة بأنها
الإجراءات والقواعد التي يتم من خلالها إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية
للمجتمع بهدف التنمية. أما مؤسسة التمويل الدولية عرفتها بأنها النظام الذي يتم من
خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها. ويتضح من هذه التعريفات أن الحوكمة تهدف
إلى تحقيق الشفافية والعدالة وبالتالي حماية حقوق المساهمين وحملة الوثائق مع
مراعاة مصالح العمال والموظفين والحد من استغلال السلطة في غير المصلحة العامة بما
يحقق التنمية وتشجيع تدفق الاستثمارات وتنمية المدخرات وتعظيم الربحية. ويشمل كذلك
مصطلح الحوكمة جميع المحددات التي تتم من خلالها حكم الدولة بما فيها من سياسيات
اقتصادية وكل الأطر التنظيمية والتشريعية. لذلك نجد أن ضعف الحوكمة يؤدى إلى زيادة
الفساد وينعكس ذلك سلبا على النشاط الاقتصادي والسياسي. يتضح مما سبق أن تطبيق
معايير ومبادئ الحوكمة واستحداث آليات ذكية لتطبيقها يقلل من الفساد ومخاطره ويزيد
الثقة في المؤسسات التي تتبنى معايير الحوكمة. لذلك تبنت عدد من المؤسسات الدولية
هذا المفهوم وحرصت على تحليل مفهومه ودراسته
ومن أهم هذه المؤسسات صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التعاون الاقتصادي
والمعروفة اختصارا بـ(OECD) التي أصدرت في عام 1992م مبادئ حوكمة الشركات التي هدفت من
خلالها مساعدة الدول الأعضاء وغيرها لتطوير الأطر القانونية لتطبيق الحوكمة في
المؤسسات العامة والخاصة المدرجة وغير المدرجة بأسواق المال وتم ذلك من خلال
اقتراح خطط إرشادية لدعم الإدارات وكفاءة أسواق المال، ويسهم ذلك في استقرار الاقتصاد
العالمي. كما أكدت المنظمة العالمية لمشرفي الأوراق المالية(IOSCO) في
مايو2002م أهمية إتباع مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي لحوكمة الشركات. وفى هذا
الصدد اقترحت مؤسسة التمويل الدولية (IIF) فى عام 2002م أن يتم
إصدار بنود تشريعية لحوكمة الشركات يمكن أن يتم تضمينها بكل من قوانين أسواق المال
والشركات وذكرت المنظمة انه بالرغم من أهمية البنود التشريعية إلا أن كفاءة المناخ
التنظيمي والرقابي يفوقها أهمية في ظل وجود معايير الشفافية والمعايير المحاسبية
السليمة، ونجد أن انهيار بعض الشركات والتعثر المصرفي في السودان وفشل سياسات جذب
الاستثمارات من ابرز الأمثلة المحفزة لزيادة الاهتمام بمعايير الإفصاح ومعايير
المحاسبة. وذلك كما حدث في الولايات المتحدة بعد انهيار بعض الشركات تم اصدار
تشريع سمى ساربنز- اوكسلى (Sarbanes-Oxley Act) والذي أكد
ضرورة انتهاج آلية دورية لإحداث الإفصاح والشفافية. كما تناولت المبادئ الصادرة عن
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تطبيقات من شانها المحافظة على حقوق حملة الأسهم
في مجال الحصول على المعلومات وحضور اجتماعات الجمعيات العمومية وتحقيق المعاملة
العادلة لحملة الأسهم في كافة النواحي
وتفعيل دور اصطحاب المصالح وتأكيد واحترام حقوقهم في حصولهم على المعلومات
الضرورية، والحرص التام على الإفصاح والشفافية عن الشركات ونشاطاتها ومجالس
إداراتها والمديرين التنفيذيين ومخصصاتهم وتأكيد مسئولية مجلس الإدارة في الإشراف والتوجيه
والرقابة واختيار المديرين .
إن
التطبيق الجيد لمبادئ الحوكمة في القطاع العام والشركات يتوقف على مدى توافر مستوى
جيد لمجموعتين من المحددات الخارجية والداخلية، وتتمثل المحددات الداخلية في مناخ
الاستثمار في الدولة بصفة عامة والبيئة القانونية والتنظيمية مع الأخذ في الاعتبار
أخلاقيات المهنة؛ أما المحددات الخارجية تتمثل في القواعد والأسس التي تحدد كيفية
اتخاذ القرارات وتوزيع السلطات داخل الشركات بين أعضاء مجالس الإدارات والمديرين
التنفيذيين وأعضاء الجمعية العمومية حتى لا يحصل تعارض واختلاف بين مصالح هذه الأطراف
الثلاثة يؤدى إلى تعطيل نمو الشركات.
تعتبر
البنوك من أوسع مجالات تطبيق الحوكمة ومبادئها وذلك بسبب التطورات الهائلة في
الأسواق المالية وعولمة التدفقات المالية والتقدم التكنولوجي، الأمر الذي نتج عنه
حدوث ضغوط تنافسية متزايدة بين البنوك والمؤسسات غير المصرفية أضف إلى ذلك نمو
الأسواق المالية وتنوع الأدوات المالية المصرفية ووجود أدوات تمويل جديدة تنبتها
البنوك الإسلامية، وترتكز الحوكمة في البنوك على عناصر أساسية يجب توافرها تتلخص
فى الشفافية، وتوفر المعلومات، وتطبيق المعايير المحاسبية الدولية، تطوير قدرات
الكفاءات البشرية من خلال التدريب المستمر. ولا يرتبط نجاح الحوكمة فقط على وضع
القواعد الرقابية بل لابد من تطبيق هذه القواعد بشكل جيد في ظل وجود رقابة محكمة
من البنوك المركزية.
لذا لابد
لنا حاليا في السودان أن تتعاظم لدينا
أهمية الحوكمة لتحقيق التنمية الاقتصادية وتحفيز المستثمرين ورفع قدرات الشركات
المحلية لخلق قدرات تنافسية لها في أسواق المال العالمية، والتأكد من نجاح برامج
الخصخصة والحد من الفساد الذي يرتبط عادة ببرامج الخصخصة، كما أن الحوكمة يمكن أن
تحفز الجهاز المصرفي وتدفعه نحو توفير تمويل للشركات ويؤدى ذلك إلى القدرة على
مجاراة سرعة حركة رؤوس الأموال، كما تساعد الحوكمة في الحد من الأزمات المالية مما
يؤدى استقرار النشاط الاقتصادي وتوفير الثقة اللازمة للمستثمرين الأجانب والمنظمات
المالية الدولية. وختاما كانت هذه صورة مبسطه حول الحوكمة ودورها كمنهج في تسيير
قطاعات الدولة العامة والخاصة وذلك انطلاقا من الجهود التي تبذل في السودان نحو
الإصلاح الاقتصادي في ظل تبنى إستراتيجية وطنية طموحة.