اقتصاديا يتناسب دخل الفرد طرديا مع طلب
الافراد على السلع والخدمات فترتفع نتيجة لذلك أسعار السلع والخدمات، بينما عند
انخفاض الدخل فإن الطلب على السلع والخدمات سوف ينخفض وبذلك تنخفض اسعارها، وعلى
العكس من ذلك في السودان فقيمة النقود تتناقص وبالتالي تنخفض قيمة الجنيه الحقيقية
ولكن في نفس الوقت ترتفع اسعار السلع والخدمات ليس بطلب ولكن لانخفاض سعر صرف
الجنيه امام الدولار. لذلك نجد أن دخل الفرد يتناقص عكسيا مع ارتفاع سعر صرف
الدولار، وانخفاض قيمة العملة يحدث عندما تعاني العملة من انخفاض سعر الصرف بالنسبة لعملة أو مجموعة
عملات مرجعية؛ وهذا الانخفاض لا يتوقف فقط على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك
المركزي، أيضا بسبب السياسة النقدية، وكون الدولار اصبح سلعة من السلع الرائجة التي
يسعى الكل ويتهافت للحصول عليها ليس سماسرة الصرف وهم الوسطاء النشطون الذين على
علم بالمشترين البائعين للدولار، ففيما مضى كان الشخص يبحث عن التجار في صالات
واضابير السوق الافرنجي بالخرطوم، اما الآن تجد المشترى بالقرب منك في كل مكان
جارك، صديقك، قريبك، وصاحب الدكان، حتى بائعة التسالي والفول، وصاحب العربة التي
يجرها الحصان، ليس تقليلا من شأنهم ولكن لبساطة حياتهم ومتطلباتها. لان دخلهم
بالجنيهات لا يمكن المحافظة عليه من حيث القيمة إلا اذا تم تحويله الى دولار، وذلك
للتغلب على متوالية سعر صرف الدولار المتصاعدة.
وحتى
يتضح الأمر سوف نلجأ الى مصطلح القيمة الحقيقية والمفاهيم الاقتصادية
المختلفة للدخل. فالقيمة الحقيقية احد مفاهيم القيمة العادلة وهو يرمز إلى قيمة
الشركة وجوانب عملها وأصولها الملموسة وغير الملموسة خلال مدى معين. وبصورة أوضح
مثلا يختلف سعر العملة الاسمية عن التمثيل المثالي كقيمة مجردة لإتمام عمليات
التبادل المادي (الحقيقي)، والقيمة الاسمية من الناحية الاقتصادية هي التي يعبر
عنها وفق شروط نقدية اسمية ثابتة وهي وحدات النقد (العملة) في سنة معينة أو عدد من
السنوات، ولكن القيمة الحقيقية تضبط القيمة الاسمية للتخلص من التغير في مستوى
الأسعار بمرور الوقت. فمثلا قد تحدث تغيرات في القيمة الاسمية لبعض السلع والخدمات
بمرور الزمن نظرا للتغير في الكمية والأسعار المرتبطة بالسلع، ولكن يعكس التغير في
القيمة الحقيقية التغير في الكميات. والقيمة الحقيقية هي مقياس لانخفاض القوة
الشرائية للنقود. والقيمة الحقيقية هي القيمة السوقية العادلة (في حالة الدخل تمثل
القيمة السلع والخدمات التي يمكن للفرد الحصول عليها من النقود التي لديه). أما القيمة
التي تبنتها مدرسة الاقتصاد الكلاسيكي الحديث، قدم فشر وهو اقتصادي امريكي؛ منهجا
يحتوى على ثلاثة مفاهيم رئيسة للدخل الخاص بالفرد وتشمل هذه المفاهيم، مفهوم الدخل
المعنوي ويمثل الإشباع الذي يحصل عليه الفرد خلال فترة معينة، ومفهوم الدخل
الحقيقي ويمثل ذلك القدر من السلع والخدمات التي يستهلكها الفرد خلال فترة ما بغرض
إشباع حاجاته المختلفة، ومفهوم الدخل النقدي ويتمثل في التدفقات النقدية الصافية
التي يحصل عليها الفرد خلال الفترة لمقابلة احتياجات.
ويعنى المفهوم المعنوي للدخل بتحديد درجة
الرفاهية التي يحصل عليها الفرد نتيجة لإشباع حاجاته خلال الفترة، وهذا المفهوم
غير قابل للقياس المباشر وذلك لتأثر درجة الإشباع بعوامل كثيرة منها مستوى الدخل،
بينما نجد أن الدخل الحقيقي يركز على الأحداث الخاصة بالفترة وهو بذلك يمثل الجانب
المادي للإشباع الذي يحصل عليه الفرد. الدخل الحقيقي مقياس غير مباشر وتقريبي
للدخل المعنوي. ويتم قياس الدخل الحقيقي عن طريق تحديد التكلفة المعيشية الخاصة
بالفرد خلال فترة معينة؛ وهي تمثل تكاليف لأغراض قياس الدخل القيمة النقدية للسلع
والخدمات خلال فترة معينة. من الواضح أن هذه المفاهيم ما هي إلا مراحل متعاقبة
لنفس الظاهرة، فالدخل المعنوي من الناحية الفكرية هو الأساس بينما الدخل الحقيقي
يمثل التعبير المادي لإشباع الحاجات ومرحلة ضرورية لأغراض القياس، والدخل النقدي
يمثل الجانب التمويلي لتكاليف المعيشة. ويرى فيشر أن الدخل النقدي هو أكثر مفاهيم
الدخل شيوعا إلا أن الدخل الحقيقي يعتبر هو المفهوم الملائم لأغراض المحاسبة.
عموما يتفق الاقتصاديون على أن الهدف من قياس الدخل هو تحديد التحسن الذي طرأ على
المشروع خلال فترة زمنية معينة، وهم بذلك ركزوا على الدخل الحقيقي، والمفهوم
الاقتصادي للدخل يرجع تعريفه الي هكس الذى قال
" أن الغرض من حساب الدخل من الناحية العملية هو إعطاء الأفراد مؤشرا عن
المقدار الذي يمكنهم استهلاكه دون التسبب في جلب الفقر لهم، ووفقا لهذه الفكرة،
يبدو من الضروري تعريف دخل المرء على أنه القيمة القصوى التي يمكنه استهلاكها خلال
اسبوع مع البقاء عند نفس مستوى الثروة في نهاية
الأسبوع كما كان في بدايته". معنى ذلك اننا في السودان يجلب إلينا الفقر
يومياً؛ لأنه يوميا لن تكون في نفس مستوى الثروة بسبب انخفاض قيمة ما لديك من
جنيهات.
بهذا المفهوم اذا لا قيمة للجنيه يعتد بها
وحتى تصبح قيمته عادلة لابد أن تقوم الدولة واصحاب العمل بتعديل أجر العامل دورياً
مثلاً كل شهر أو شهرين بنسبة تعادل انخفاض قيمة العملة وذلك في حالة توقع التضخم حيث
يمكن التحوط عند التعاقد بإجراء الدين بغير العملة المتوقع هبوطها. كأن يتفق
العامل مع صاحب العمل على أن يعطيه زيادة على أجره كل آخر شهر بنسبة 3 في المائة
أو 5 في المائة أو نحو ذلك من أجل المحافظة على أجر العامل من انخفاض قوته
الشرائية، ويسمى هذا الاجراء بالربط القياسي للأجور.
ان ما تقوم به
الحكومة من مراجعة الاجور بغرض زيادتها لا يفي بالغرض مطلقا، فزيادة الاجر لا تعني
الوصول الى القيمة الحقيقة والعادلة للنقود، بل هي محاولة لذر الرماد في العيون
واقناع اصحاب الدخل المحدود وبطريقة ملتوية أن دخلهم قد زاد، وزيادة الاجور كما
ذكرنا في المقدمة تعني زيادة مقابلة في قيم السلع والخدمات.