الجمعة، 12 نوفمبر 2010

هل تنهار إمبراطورية الدولار؟

د. عمر محجوب محمد الحسين

هل تنهار إمبراطورية الدولار؟


          دعا روبرت زوليك رئيس البنك الدولي( 1 يوليو 2007 حتى 30 يونيو 2012)، البلدان الكبرى إلى السعي نحو إيجاد  نظام عالمي يضمن العودة لمعيار الذهب (بريتون وودز2)  يحدد عن طريقه أسعار العملات خلفا لنظام (بريتون وودز) لسعر الصرف الثابت المنتهى في عام 1971م، وجاءت هذه الدعوة  قبل انعقاد قمة العشرين التي سوف تناقش ما أصبح يعرف بحرب العملات التي بدأتها اليابان بتحركها الأحادي الذي هدفت من خلاله إلى خفض قيمة الين وإضعافه وتلي ذلك تحركات مشابهة من دول مثل كوريا الجنوبية وكولومبيا وتايلاند مما حدا بوزير مالية البرازيل غوديا مانتيفا حينها بالتصريح بأن العالم يشهد حرب عملات دولية، والآن توجد أزمة قائمة بين الدول الغربية والصين التي تتهم بأنها تجعل سعر اليوان مخفضا بشكل مصطنع. والمتتبع لسياسات الدول النقدية يجد أن حرب العملات ما هي إلا انعكاس للحالة السياسية حيث تلجأ كثيرا الحكومات إلى التدخل في أسواق العملات المحلية عن طريق زيادة المعروض من النقد أو السيولة لتشجيع التجارة وخفض البطالة أو العكس بكبح جماح التضخم بتقليل السيولة النقدية .
          ومعيار الذهب أو غطاء الذهب الدولي كان نظام مالي يتم فيه الاعتماد على معدن الذهب كقاعدة لتحديد قيمة العملة وكانت الحكومات التي تتبع هذه القاعدة تقوم بتحويل أي عملة لديها إلي ذهب بعد تحديد أسعار ثابتة  لشراء وبيع الذهب؛ وأول دولة تبنت هذه السياسة النقدية هي بريطانيا في عام 1821م وتبعها دول غربية بعد ذلك، ولكن تناقص دور الذهب منذ العام 1971م بقيام الولايات المتحدة الأمريكية بفك الارتباط بين الدولار والذهب عام 1971م في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، وذلك بعد طلب الرئيس شارل ديجول استبدال الدولارات الموجودة لدى البنك المركزي الفرنسي بما يعادلها من الذهب . وكانت الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي ولضمان استقرار أسعار صرف عملاتها وافقت بين عامي 1945م- و1971م على اتخاذ الدولار كأساس للمحافظة على هذا الاستقرار. وبذلك كانت الغلبة للدولار بعد أن خرجت الدول الغربية من الحرب العالمية الثانية وهى منهكة اقتصاديا بينما كانت أمريكا  تزداد قوتها الاقتصادية والعسكرية وجبروتها. والغريب أن مفهوم الفائض والعجز في ميزان المدفوعات ينطبق على كل دول العالم عدا الولايات المتحدة الأمريكية حيث لا يعد تحقق فائض في الميزان التجاري الأمريكي دليلا على تحسن في قيمة الدولار بأسواق النقد كما يحدث عادة لبقية عملات العالم؛ كما لا يعنى العجز انخفاض في قيمة الدولار ، والمفارقة الغريبة في الأمر انه باستطاعة الحكومة الأمريكية الإنفاق بسخاء على حروبها وغزواتها الخارجية ويمكن لمستثمريها شراء أصول وحقوق خارج الولايات المتحدة الأمريكية سواء كان هناك عجز أو فائض في الميزان التجاري بمعنى انه تستطيع أمريكا إنفاق واستثمار أموال تفوق بكثير قيمة أي فائض تحققه، ونجد أن استثمار هذا العجز في الحقيقة هو بضائع وخدمات مستوردة بالرغم من بقائها الظاهر خارج الولايات المتحدة الأمريكية، والمستثمرون الأمريكيون يملكون استثمارات خارجية بقيمة 17.6 تريليون دولار حسب إحصاءات 2007م منها ما نسبته 41% أصول مالية في شكل أسهم؛ بينما بلغت الاستثمارات الأجنبية الرسمية والخاصة بأمريكا فقط 3.3 تريليون دولار.و ذكرت وزارة التجارة الأمريكية في تقرير لها أن عجز الميزان التجاري تقلص في سبتمبر2010م بنسبة 5.3% ليصل إلى 44 مليار دولار إلا أن العجز مع الصين اتسع إلى 27.8 مليار دولار في اغسطس2010م بالمقارنة مع عجز 22.1 مليار دولار خلال سبتمبر2009م.
          تركت الإدارة الأمريكية متعمدة سعر صرف  الدولار ينخفض أمام العملات الرئيسية الأخرى لإيجاد ما يسمى بـ(الدولار الضعيف) لتشجيع صادراتها للنفاذ إلى الأسواق العالمية نتيجة لقلة تكاليف الواردات إلى أسواقها وينتج عن ذلك تقليل العجز في الميزان التجاري المتزايد خاصة مع الصين وكوريا واليابان. إذن توظف الإدارة الأمريكية هذا الخفض المدروس والمرشد لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية تخدم مصالحها دون النظر لتأثير ذلك على جملة الأوضاع الاقتصادية العالمية في المدى البعيد أو حتى على اقتصاد أمريكا نفسها و أزمة الرهن العقاري الأمريكي المستمرة كبدت الدولار خسائر إضافية أمام العملات الأخرى بعجز المقترضين عن سداد قروض الرهن العقاري عالية المخاطر وحدوث كساد بالاقتصاد كما حدث بالأسواق المالية الأمريكية. أيضا هذا  الخفض لا يؤثر فقط على الولايات المتحدة الأمريكية فقد يؤدى إلى هروب رؤوس الأموال القادمة إلى أمريكا وهروب رؤوس الأموال الأمريكية إلى الخارج وتراجع أسعار السندات والأسهم مما يؤدى إلى ازدياد التضخم بسبب ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة. ولا ننسى أن الولايات المتحدة الأمريكية لجأت إلى رفع سعر الفائدة على الدولار أكثر من 17 مرة منذ 2004م حتى 2006م لتصل إلى ما نسبته 5.25% لمعالجة فجوة الادخار بتشجيع الدول الأجنبية للدخول إلي السوق الأمريكي، كما أن الاقتصاد الأمريكي تراجعت نسبة نمو الناتج المحلى إلى 5.6% في الربع الأول من العام الماضي. وزامة الرهن العقاري الأمريكية جرت العالم وأسواقه المالية إلى اضطراب كبير مما حدا بكثير من البنوك المركزية في عدد من الدول بالتدخل بضخ سيولة في الأسواق لتهدئة الأوضاع وطمأنة المستثمرين. وكما لاحظنا لم يؤدى ذلك المطلوب لجعل الأسواق المالية مستقرة مما دفع بعض الدول التي تمتلك احتياطيات ضخمة من الدولارات إلى تقليل نسبة وجوده لديها ضمن احتياطياتها مما أدى إلى هبوط حصة العملة الأمريكية من مجمل الاحتياطيات الدولية إلى أدنى مستوى منذ العشر سنوات الأخيرة. ورغم أن الدول الأوربية تستفيد من تراجع الدولار نتيجة لانخفاض سعر برميل البترول لكن يكون هناك تأثير سلبي على صادراتها حيث تصبح ذات سعر عالي عند دخولها السوق الأمريكية. ونذكر هنا أن من أهم أسباب ارتفاع أسواق الذهب المتصاعدة انخفاض الدولار حيث سعى المتعاملين الحفاظ على قيمة الذهب الحقيقيه. من الواضح أن التزام السياسة الأمريكية بشعار دولار قوى قد ضعف بعد أن اكتشفوا أن جنى الأرباح والمكاسب لأمريكا يتم عبر انخفاض الدولار وكثي من المحللين يرون أن انخفاض الدولار سوف يستمر حتى تزول أسباب انخفاضه ولا مؤشرات تلوح في الأفق بتدخل بنك الاحتياط المركزي الأمريكي في الوقت الراهن بسبب استفادة أمريكا من هذا الانخفاض.
          فهل دعوة روبرت زوليك لابتداع نظام جديد يقوم على معيار الذهب تجدي نفعا في ظل وجود تلك السياسات الأمريكية الخرقاء على الصعيدين العسكري والاقتصادي، وأغلب الطن أنها لن تجدي لأن أمريكا فقط تسعى إلى الحفاظ على سيطرتها الاقتصادية والعسكرية ولأنه ليس لديها الرغبة الصادقة بشان الجلوس مع الصين كما فعلت مع اليابان عندما كانت هي القوى الاقتصادية الصاعدة في آسيا آنذاك، ودعوة زوليك -الموظف السابق بوزارة الخزانة الأمريكية- للدول الكبرى لمساعدة الدول النامية في مجال تطوير بنياتها التحتية وقطاعاتها الاقتصادية  دعوة يشوبها كثير من الشك والريبة حيث أن تطوير تلك البني التحتية والقطاعات الاقتصادية تصب في المقام الأول في مصلحة أمريكا والدول الغربية.
          أم على الدول التي ترزح تحت عباءة الدولار ووقعت معاهدة بريتون وودز أن يكون لديها القدرة الكافية للتخلي عن الدولار وإعادة النظر فيما جنت أيديهم بتوقيعهم تلك المعاهدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي

د. عمر محجوب محمد الحسين https://sudanile.com/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%...