الأحد، 6 ديسمبر 2020

العالم يتجه نحو هاوية الركود

العالم يتجه نحو هاوية الركود

 د. عمر محجوب محمد الحسين

رغم أن المستثمرين الذين يعتمدون على تداول العملات يظهرون سيناريو متفائلا، حيث يتوقعون ركودأ حاداً  لكنه قصير الأجل، مما يفسح المجال لانتعاش قوي لبقية هذا العام؛ وهذا ما قاله خبراء الاقتصاد في "مورجان ستانلي" ايضاً بأنه ركود اقتصادي حاد لكنه قصير المدى؛ حيث توقعوا انكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 8.6 % خلال الربع الثاني على أن ينمو 3 % في الربع الأول من 2021م، واستشهد هؤلاء الاقتصاديون بتوقعات امكانية توفر اللقاح على نطاق واسع بحلول صيف عام 2021م، بالاضافة الى الدعم الذى التزمت به الحكومات للاقتصاد، الحكومة الفرنسية اعلنت عن مساعدات بحوالى 50 مليار دولار لدعم الشركات والموظفين، والمانيا أعلنت عن حزمة من القروض للشركات للحفاظ على اعمالها من خلال خطة لتأمين المساعدات الاقتصادية والاجتماعية والصحية بحوالى 614 مليار دولار، من جانب آخر ذكرت  "واشنطن بوست" أن إدارة ترامب ستطلب نحو 850 مليار دولار لحماية الاقتصاد الامريكي من تبعات فيروس (COVID-19) الاقتصادية. لكن بمنطق الاشياء نقول أن الاقتصاد العالمي في حالة جمود قد يكون مؤقتاً لكنه شامل، لربما يعود الاقتصاد لحاله بمجرد احتواء الفيروس، لكن من الذى لديه علم بتاريخ انتهاء الجائحة واحتواء الفيروس ؟ باختصار لا احد.

من جانب آخر من شبه المؤكد أن العالم وقع فعلياً في هاوية ركود مدمر أحدثته جائحة فيروس (COVID-19)، في وجود مخاوف متزايدة من أن الانكماش يمكن أن يكون أكثر حدة ويدوم طويلًا عكس ما كان يُخشى في بداية الامر؛ حيث أنه من المحتمل أن يستمر في العام المقبل، وربما العام الذى يليه، بسبب توقف الأعمال التجارية كلياً نتيجة للقيود الحكومية المشددة التى عمت معظم دول العالم لوقف انتشار الوباء، وتقييد حركة المستهلك الذى المؤثر الاكبر في النمو الاقتصادي؛ وأغلب الاقتصادات القوية يكون تأثير المستهلك فيها هو الأكبر في حركة نموها الاقتصادي وبالتالي الناتج الاجمالي، ويبلغ الإنفاق الاستهلاكي ما يقرب من ثلثي النشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم. ايضاً نتيجة لهذا الاغلاق لن تعود الأعمال التجارية الى سابق عهدها، وما كان يسير بشكل طبيعي من قبل قد لا يكون حاله كذلك بعد الآن؛ قد يكون الناس أقل ميلاً للتواجد في المطاعم المزدحمة والمجمعات التجارية، والميل نحو السفر، حتى أن المستهلك سوف يعيد ترتيبات اولويات انفاقه خاصة الذين تضرروا بصورة مباشرة بالأزمة ،حتى بعد احتواء الفيروس والغاء القيود الحكومية ورفع الاغلاق التام. وهذه المؤشرات مجتمعة سوف تحدث هزة اقتصادية عميقة ومستمرة في كل منطقة من مناطق العالم في وقت واحد، لذلك سوف يستغرق تعافي الاقتصاد وحركة الناس سنوات، من جانب آخر نجد أن الخسائر التي لحقت بالشركات خلال الفترة لم تكن الازمة وحدها هي عامل ضررها، فالعديد من هذه الشركات كان يعانى من مشاكل، وبعضها كان مثقلاً بالديون وربما متعثراً في سدادها وهذا سوف يجعل من الأزمة أزمة مالية ذات أبعاد كارثية على الاقتصاد العالمي.

عكست أسواق الأسهم الإنذار الاقتصادي الاشد خطورة حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للمؤشرات المالية في الولايات المتحدة بأكثر من 4 % في ابريل الماضي، صحيح أنه ارتفع يوم الثلاثاء الماضي بنحو 2 % في التعاملات المبكرة، لكن انخفض مؤشر CBOE لتقلب الأسعار (VIX) بأكثر من 4 %. لذلك يستعد المستثمرون لظروف أسوأ في المستقبل  نتيجة لحركة الاسواق المالية المضطربة التى كان ابراز عنوان لها انخفاض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 12.5 %  في أسوأ انخفاض له منذ أكتوبر 2008م؛ وانخاض اسعار البترول لمستويات قياسية في ظل أزمة جائحة فيروس (COVID-19)، والتى كانت بمثابة صب الزيت في النار، بالاضافة الى الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الامريكية.

يقول (Kenneth S. Rogoff) الاقتصادي في جامعة هارفارد والمؤلف المشارك لكتاب تاريخ الأزمات المالية "أشعر أن الأزمة المالية لعام 2008م كانت مجرد بروفة للذى يحدث حالياً" ، لكن "هذه المرة الامر مختلف حيث سبقته ثمانية قرون من الحماقات المالية". ويضيف "إن هذا بالفعل بدأ يتشكل باعتبارها ازمة هى الأعمق في الاقتصاد العالمي لأكثر من 100 عام".، وقال "كل شيء يعتمد على مدة استمراره، ولكن إذا استمر هذا لفترة طويلة، فمن المؤكد أنها ستكون أم جميع الأزمات المالية".

من جانب آخر قال (Charles Dumas)، كبير الاقتصاديين في شركة أبحاث الاستثمار في لندن (TS Lombar)، "لقد أصيب الناس بصدمة حقيقية، سيكون التعافي منها بطيئًا، وستتغير أنماط سلوكية معينة، إن لم يكن إلى الأبد لكن على الأقل لفترة طويلة من الزمن ".

            من شبه المؤكد أن الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم في حالة ركود، وكذلك أوروبا؛ لذا ربما تكون هناك اقتصادات مهمة مثل كندا واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة والبرازيل والأرجنتين والمكسيك. من المتوقع أن تنمو الصين ، ثاني أكبر اقتصاد في العالم ، بنسبة 2 % فقط هذا العام وفقًا لشركة الأبحاث (TS Lombar).

أما في أغلب البلدان النامية فيبدو أن الوضع اكثر سوءً، خاصة تلك البلدان التي شهدت هروباً استثماريًا للخارج في هذا العام ، مما أدى إلى انخفاض قيمة عملات تلك البلدان، اضطر الناس الي دفع المزيد مقابل المواد الغذائية والوقود والسلع المستوردة، وهدد الاعسار الحكومات؛ وياتى ذلك كله ف كل هذا بينما يهدد الوباء نفسه تغلب على النظم الطبية غير الكافية.

وبالنظر الى عيوب النمط الاقتصادي الحالي القاتلة في خضم أزمة كورونا فهى لا تظهر في ضعف وسائل الحماية الطبية فقط، لكن ايضا في نقص الغذاء؛ لذلك حذرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لغرب آسيا (ESCWA) من أن تداعيات كورونا قد تلقي بأكثر من 8 ملايين شخص إضافي من سكان المنطقة العربية في براثن الفقر والجوع بسبب تقليص تجارة الأغذية وقلة المخزون منها. وتذهب التقديرات إلى أن أكثر من 100 مليون في المنطقة العربية يعانون من الفقر حاليا.

وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن البروفبسور (Laura D'Andrea Tyson)، الأستاذة بكلية هاس للأعمال بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، ترجح أنّ "العديد من الوظائف التى سوف تفقد لن تعود مطلقاً"، وتقصد الوظائف التى لا تتطلب مهارات عالية أو تخصص، وفي الولايات المتحدة يقدم ملايين الأشخاص الآن طلبات للحصول على إعانات البطالة. ويقول السيد (Dumas) "إن خسائر الدخل في جهات العمل كبيرة جدا"، واضاف "أن خسارة قيمة الثروة هي أيضا عالية جدا". ويقول (Hicks) في كتابه الدخل؛ أن الدخل هو " أقصى ما يمكن للفرد أن ينفقه خلال فترة من الزمن اذا كانت هناك توقعات مرتقبه بالحفاظ على رأس المال سليما "، بمعنى آخر أن الدخل هو ذلك القدر الذي يمكن للفرد أن ينفقه كحد أقصى خلال فترة معينة وبحيث ينتهي في آخر الفترة بنفس القدر من رأس المال الذي كان عليه في أول الفترة. والتغير في رأس المال عند (Hicks) يرجع الى التغير في حجم الاستثمارات سواء بالزيادة أو النقص خلال فترة مالية، للتغير في سعر الفائدة، والتغير في التوقعات بشأن الفترات المستقبلية، وهذه الازمة ضربت التدفقات النقدية والانفاق، وجعلت التوقعات المستقبلية مضطربة بسبب الغموض الذى يكتنف فيروس (COVID-19).

من شبه المؤكد أن الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، في حالة ركود وكذلك أوروبا، اما الصين  ثانى اكبر اقتصاد في العالم من المتوقع أن ينمو اقتصادها بنسبة 2 % فقط هذا العام، وفقًا لشركة الأبحاث (TS Lombar).

تقدر أوكسفورد إيكونوميكس أن الاقتصاد العالمي سوف ينكمش بشكل هامشي هذا العام، قبل أن يتحسن بحلول يونيو، ولكن هناك مؤشرات قوية ربما تؤدى الى تغير هذا الرأي مستقبلاً، وقال صندوق النقد الدولي إن الضرر الذي تلحقه جائحة فيروس كورونا بالنشاط الاقتصادي أوسع وأعمق من التوقعات السابقة، لذلك قلص الصندوق توقعاته وبدت متشائمة للناتج العالمي لعام 2020م، حيث توقع انكماش الناتج العالمي بنسبة 4.9 %، مقارنة  بتوقعات ابريل التى كانت بنحو 3 %. فهل نشهد فعلاً ركوداً عالمياً غير مسبوق ؟

مسلسل سقوط الجنيه السوداني الي أين ؟

مسلسل سقوط الجنيه السوداني الي أين ؟

د. عمر محجوب محمد الحسين
واجه الجنيه السوداني في الاسابيع الماضية أخطر وأكبر ازمة انخفاض في تاريخه امام الدولار والعملات الاخرى، من حيث معدل الانخفاض والفترة الزمنية التى حدث فيها، حيث وصل سعر الدولار في السوق غير الرسمية الى 270 جنيهاً، علما بأن السعر الرسمى لشراء الدولار هو 55 جنيهاً، وحيال هذا التراجع لم يأت الرد من طرف بنك السودان المركزي المسؤول عن وضع السياسات المالية والنقدية لكن جاء الرد امنياً ودائماً محاولة السيطرة والقبضة الأمنية لا تأتي بنتائج تساعد في علاج العلة الرئيسة للأسباب الانخفاض بل بالعكس تأتى بنتائج عكسية بصورة عامة حيث ينخفض سعر الدولار لبرهة بسبب اختفاء التجار وعمليات البيع ثم ما يلبث أن يحدث شح في السوق ومن ثم ارتفاع جديد في الاسعار نتيجة للتعامل مع الدولار كسلعة؛ وهناك عدة  محاولات جرت للسيطرة الامنية لمنع انخفاض الجنيه منذ بداية الثماننيات في عهد الرئيس نميري مرورا بالانقاذ والآن حكومة دكتورحمدوك كلها باءت بالفشل لأن العلاج بدء بالاعراض وانتهى بها.

          ايضا تم تجاوز أسباب انخفاض الجنيه الحقيقية امام العملات الاجنبية بالقفز نحو تحليلات بعيدة عن لب المشكل من قبيل وجود جنيهات مزورة،  وان هناك من يسعى لتدمير الاقتصاد، متناسين الوضع الاقتصادى الذى بدء في التدهور قبل مبارحة الانجليز للسودان بسبب انخفاض اسعار القطن وتذبذبها عالمياً، وكان هيكل الاقتصاد مزدوج الطبيعة بطبيعته التقليدية الواسعة كقطاع حديث وصغير؛ هيكل الإنتاج هذا أثر على النظام المالي في جانب تعبئة الموارد الذى اعتمد على الضرائب التي كانت السبيل إلى تحصيل ايرادات الموازنة من القطاع التقليدي، ايضا ادى الاعتماد علي القطن الى اهمال المحاصيل الزراعية الاخرى وقطاع الثروة الحيوانية التي لم تشكل اكثر من 3% من صادرات السودان حتي العام 1956م، واهمال القطاع الصناعي الذى شكل فقط نسبة 1% من اجمالي انتاج القطاع الخاص واهمال قطاع التعدين. ويبدوا واضحاً وجلياً ان المستعمر هدف من ذلك الى جعل السودان مستهلكاً اكثر منه بلداً منتجاً؛ ومنتجا في حدود ما تحتاجه مصانع بريطانيا؛ لذلك بعد ان استقل السودان عام 1956م قُدر الناتج المحلي الإجمالي في ذلك الوقت بمبلغ 284 مليون جنيه إسترليني (795 مليون دولار أمريكي)، وبلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي 28 جنيهاً إسترلينياً أو حوالي 78 دولاراً؛ مما صنف السودان من بين أفقر البلدان في العالم.

تميزت الفترة من 1978 إلى 1981 بعدم الاستقرار الاقتصادي الناجم عن صدمات الاقتصاد الكلي التي نتج عنها عجز ميزان المدفوعات، وهذه الصدمات تسبب فيها عرض النقود، الضرائب، الانفاق الحكومي. ولتصحيح الوضع  لجأت الحكومة إلى خفض القيمة الاسمية للجنيه السوداني في العام 1980 بنسبة 25% امام العملات الصعبة، بعد أن اجبرها على ذلك صندوق النقد الدولي؛ نتيجة لمشاركتة في وضع سياسات سعر الصرف في السودان، وكان سبب أول خفض لقيمة الجنيه الاسمية في تاريخ السودان إحداث زيادة في قيمة العملة المتداولة لزيادة السيولة داخل البلاد ولكسب الأسواق الخارجية، وتغطية العجز في ميزان المدفوعات ولزيادة الإنفاق في عمليات التنمية؛ وحصرنا خفض العملة في هذين المجالين لأن قيمة الجنيه السودانى لم تكن متدهورة عند اتخاذ القرار بخفض قيمته.

أثر الخفض على قدرة الحكومة على سداد أقساط الديون وفوائدها للدول الأجنبية حيث يصبح الدين بعد الخفض اكثر عبئاً. رغم وضع خطة خمسية سبقت خفض قيمة الجنيه، وكانت ذات أهداف وتوقعات متفائلة رغم الوضع الاقتصادي المتدهور في ذلك الوقت، الذي تميز بتضخم الجزء الاكبر منه جاء نتيجة لتمويل خطط التنمية بالعجز (طباعة النقود)، وزيادة تكاليف التطوير بسبب ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء العالم، وارتفاع تكاليف رأس المال الخارجي. وبمضي السنة الثانية من الخطة الخمسية، لم يكن هناك نمو اقتصادي، وزادت ضغوط الديون الخارجية، وفشل السودان في الوفاء بمدفوعاته المقررة، وانخفض الانتاج الزراعي والصناعي من حيث نصيب الفرد. من جانب آخر السودان كغيره من الدول النامية التي لديها ضعف كبير في حجم الادخار، وأن اقتصاداتها ريعية وفي معظم الحالات يكون مصدراً طبيعياً ليس بحاجة إلى ‏آليات إنتاج؛ والفائض من الدخل بعد الاستهلاك عادة ما يوجه نحو قطاعات خدمية غير انتاجية هي في المقام الأول استهلاكية، وهذا يؤدى لارتفاع معدل الاستهلاك على حساب الادخار، وذلك بسبب تدني مستويات الدخل الفردي مع وجود ميل ونزعة لدى الافراد نحو الاستهلاك، بالإضافة الى مستويات التضخم المرتفعة وضعف القطاعات الانتاجية المحلية والاعتماد على الاستيراد أكثر من الانتاج والتصدير. في هذه الظروف لجأت الحكومات عبر تاريخ طويل إلى الاقتراض والاستدانة من القطاع المصرفي لتمويل عجز الموازنة. ورغم تطبيق خطة صندوق النقد الدولى انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 6 % بالقيمة الحقيقية، وزاد العجز في ميزانية الحكومة المركزية حوالي 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، وزادت القاعدة النقدية بمعدل سنوي في المتوسط ​​أكثر من 40 % بالمقارنة مع المعدل المستهدف البالغ 16 % لمجموعة 1980-1981؛ وفي ذات الفترة ارتفع معدل التضخم إلى حوالي 35 % ​​سنويا في المتوسط.

استمر هذا التدهور مع استثناء الفترة التى اعقبت انتاج البترول حتى انفصال جنوب السودان، وتميزت فترات التدهور بتباطؤ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ولم يتم ادارة التدفقات الناتجة من ايرادات البترول ورأس المال الأجنبي إلى القطاعات الزراعية بكفاءة مما أدى إلى فشل المشاريع وتسبب ذلك في مشكلة تراكم الديون الضخمة، وكان صندوق النقد الدولي  قد أوقف مساعداته للسودان منذ 1984م.

          تفاقم الدين الخارجي بصورة كبيرة، وأثر على ثلاثة متغيرات اقتصادية مهمة هي الادخار، الاستثمار، والإنتاج، بالإضافة إلى عوامل الهجرة الداخلية نحو المدن، كانت هذه عوامل مهمة في التأثير على الانتاج، ايضاً تأثرت القدرة الإنتاجية نتيجة للنقص في قطع الغيار وانخفاض الطاقة، وعدم توفر مدخلات الانتاج الأساسية نتيجة لانخفاض موجودات العملات الصعبة، تحول موارد الإنتاج إلى الدفاع الوطني، بسبب اشتعال الحرب في شرق وغرب السودان؛ بسبب هذه العوامل دخل اقتصاد السودان في فترة طويلة من التباطؤ والضعف الاقتصادي، وادى ذلك الى اختلال ميزان المدفوعات، بالإضافة الى الظروف الغير المواتية في التجارة الدولية، وضعف برنامج الاستثمار العام وانخفاض معدل النمو.

كان الانخفاض الحاد في عائدات النفط في أعقاب انفصال جنوب السودان في عام  2011، والنزاعات اللاحقة على النفط في الجنوب، ضربت الاقتصاد السوداني بشدة وأثرت بشكل كبير جداً على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي وصل إلى سالب  4%  لعام 2020م بعد ان كان سالب 2.6% في عام 2019م ؛ حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي 18,90 مليار دولار في عام 2019م، بعد أن كان حوالى 74,29 مليار دولار في عام 2015م.

في ظل وجود دين خارجي يتجاوز الـ 55 مليار دولار، وضعف الانتاج الزراعي والصناعي وضعف الصادرات وعدم قدرتها على المنافسة، والاعتماد على توقعات تدفق المعونات الخارجية والصراع السياسي، وتضمين موازنة 2020 حزمة سياسات صندوق النقد الدولي المتمثلة في تحرير سعر الوقود وتخفيض قيمة الجنيه وزيادة الدولار الجمركي، وزيادة الكتلة النقدية بطباعة المزيد من النقد، وزيادة المرتبات زيادة كبيرة جدا دفعت دفعة واحدة فى خضم أزمة كورونا، ودخول الحكومة كمشتر للدولار من السوق الاسود، هذه العوامل تسببت في الانخفاض المتسارع لقيمة العملة الوطنية وسوف سيتمر الانخفاض اذا لم يتم النهوض بالاقتصاد.


اقتصاد السودان، غياب التخطيط والتحليلي الاستراتيجي

اقتصاد السودان، غياب التخطيط والتحليلي الاستراتيجي

د. عمر محجوب محمد الحسين
ان وضع اية خطة استراتيجية دون استصحاب منظور تحليلي استراتيجيي شامل في عمليتها يؤدى حتماً الى فشلها، ويعد المفهوم جزء لا يتجزأ من التخطيط الاستراتيجي الرسمي غير أنه يتسم بالوضوح، وعلى الرغم من تركيز هذا التخطيط على إحدى النتائج (خطة استراتيجية(، يعد المنظور التحليلي الاستراتيجي عملية لطرح عنصر تحليلي في عملية صناعة القرارات المتعلقة بالسياسات. لا يساعد المنظور التحليلي االستراتيجي في سد الفجوة بين التركيز على المدى القصير والنتائج بعيدة المدى فحسب، وإنما يسد تلك الفجوات التى تحدث خلال اداء الوزارات المعنية؛ مع استصحاب النماذج الاساسية المعروفة لصناعة القرارات.

اعتمد اقتصاد السودان على النشاط الزراعي والحيواني حيث يعتبر قطاع الزراعة هو الاكبر منذ الاستقلال باستثناء الفترة من 1998-2011م فترة استخراج البترول حتى انفصال جنوب السودان؛ ويشكل هذا القطاع حوالى 45% من الناتج المحلى الاجمالي؛ ورغم أن أحد أهم اسباب تخلى الانجليز عن هذه المستعمرة  في ذلك الوقت تذبذب أسعار المنتجات الزراعية وتراجع الاهتمام بالقطن كمدخل اساسي في صناعة المنسوجات والملابس، لكن بعد انتاج اليابانيون للحرير الصناعي ادى ذلك الى انتهاء حقبة المنسوجات البريطانية التى ازدهرت بفضل جهود السير (رتشارد اركيت) مخترع آلات الغزل والنسيج، واحد مؤسسي صناعة الغزل والنسيج في بريطانيا؛ ويبدوا أن رواد الاستقلال لم يفطنوا الى هذه المسألة، وواصلت الحكومة الوطنية بعد الاستعمار النمط الاستعماري في توسيع مساحات الزراعة المروية الحديثة، والتوسع في الزراعة المطرية الآلية، لكن دون تقويض الأساس الهيكلي لقطاع الزراعة التقليدية الشاسعة. كانت دولة ما بعد الاستعمار غير قادرة على إدارة البلاد بسلاسة وبنفس نهج  السياسات الاستعمارية غير المباشرة بسبب السودنة المتعجلة، وشمل ذلك طرق ادارة الضرائب وتحصيلها، وهي بذلك لم تعر اهتماماً لما خلفه الاستعمار من هياكل ادارية واقتصادية قوية، اهتماماً يحدث نقله نوعية في الاقتصاد وقطاعاته المختلفة، وبالتالي سارت الحكومة الوطنية علي تركة المستعمر في هذين المجالين لتجعل من الاستقلال استقلالا شكليا لم يصحبه تغيير اقتصادي او اجتماعي من حيث النمط او الهيكل؛ ونذكر هنا أن موازنة التنمية لعام 1953-1954 تضمنت مذكرة جاء فيها تحذير من أن بعض الصعوبات ستؤدي إلى إبطاء تقدم برامج التنمية بشكل كبير، بسبب نقص الموظفين المؤهلين ليس فقط لأن معظم الوزارات والإدارات تفتقر إلى الموظفين السودانيين المدربين على جميع المستويات، ولكن لأن العديد من الموظفين الفنيين الاجانب قد استقالوا، وكان من الصعب استبدالهم، خاصة وأن ادارة الرقابة المالية كانت تعاني من نقص الكوادر المحاسبية، رغم ان الحكومة بذلت محاولات ناجحة لتعيين موظفين اجانب من الدول الأوروبية لملء الوظائف التي لم يكن السودانيون بها ملائمين ومؤهلين، لكن في ذلك الوقت كان يتعين على السودان في المستقبل الاعتماد على الكوادر الماهرة الاجنبية حتى لا تحدث إعاقة لبرامجه التنموية. اوردنا ذلك لنعرف حجم المشكلة بالنسبة لنقص الكوادر قبل الاستقلال؛ وجاء الاستقلال ليفرض برنامج السودنة الذى زاد اعداد الكوادر غير المؤهلة في الوزرات؛ ومدى تأثير ذلك على خطط وبرامج التنمية وادارة الدولة. 

ساهم القطاع غير التقليدي الحديث في الناتج المحلي الإجمالي بصوره مقدرة، وحقق إنتاج قياسي للقطن لموسم 1961-1962، وهو رقم قياسي لم يتم تجاوزه بالنسبة للمساحة المزروعة رغم الزيادة الكبيرة في المساحات المزروعة؛ كان معدل نمو القطاع الحديث حوالي 6 % سنويا؛ وكان التحسن الحقيقي في الدخل حوالي 4.5 % سنويًا ، وهذا ادى الى زيادة سنوية في أسعار عوامل الإنتاج بنسبة 1.5 %. لكن كان هذا الإنجاز أقل بكثير من النمو المرصود للدخل الحقيقي المخطط له البالغ 6.1 % سنويًا للقطاع الحديث خلال الفترة 1961-1966، وكان أقل من النمو الذي تحقق خلال الفترة 1956-1960م.

سار الاقتصاد دون تخطيط  أو تحليل استراتيجي فعلى وشامل منذ الاستقلال، وتم الاكتفاء بخطط معزولة ذات أهداف مرحلية وفي الغالب تجبُ ما قبلها؛ فكانت أول خطة للفترة 1960-1970 سميت بالخطة العشرية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولم تحقق هذه الخطة نجاح حيث لم يتم الالتزام بالخطة كما أعدت، وتم نفيذ برامج استثمارية ومشروعات لم تكن مدرجة ضمن الخطة الاصلية؛ وسبب قيام ثورة اكتوبر 1964م؛ ولم توضع خطة بعد الثورة إلا بعد انقلاب مايو 1969م حيث وضعت خطة خمسية للفترة 1970-1974م، وقبل نهاية الخطة الخمسية تم رفد الخطة بما عرف ببرنامج العمل المؤقت الذى مدد العمل بالخطة الخمسية الى عام 1976م، وبسبب فشل الخطة في تحقيق اهدافها تم تمديد الخطة للفترة 1977م-1988، لكن تم التخلي عن الخطة الخمسية ووضعت خطط وبرامج قصيرة الاجل في عام 1978م، وفي عام 1983 تم الاعلان عن برنامج استثماري مدته ثلاث سنوات، لكن تم تعليق العمل بالبرنامج الاستثمارى عام 1985م بسبب قيام ثورة ابريل في 1985م ليحل محله برنامج الانتعاش الاقتصادي في عام 1987م لمدة ثلاثة سنوات؛ ايضا هذا البرنامج لم يكتمل ليحل محله برنامج الاسترداد الذى كانت مدته ثلاثة سنوات والذى انتهى بسبب قيام ثورة يونيو 1989م التى وضعت البرنامج الثلاثي للانقاذ الاقنصادي 1990-1998م الذى كان اساسه سياسة التحرير الاقتصادي، ثم وضع برنامج للاصلاح الاقتصادي سمى بالاستراتيجية القومية الشاملة للفترة 1998-2002م، وشهد عام 2003م تبني الحكومة لاستراتيجية ربع قرنية؛ وتعتبر الاستراتيجية الربع قرنية نقطة تحول في طريقة التخطيط الاقتصادي التى اتبعت منذ الاستقلال؛ لكن يبدوا أن انفصال الجنوب القى بظلاله على هذه الاستراتيجية القومية حيث تم وضع برنامج آخر سمى البرنامج الخماسي للاصلاح الاقتصادي 2015-2019م ومعنى ذلك التخلى عن الاستراتيجية ربع القرنية التى كان يفترض أن تمتد الى 2028م.

          ان الوضع الاقتصادى المتردي ونحن على مشارف نهاية عام 2020م يدل على مدى فشل تلك الخطط والبرامج، وذلك لأن النظم السياسية المتعاقبة كانت تنظر الى كل الخطط من زاوية سياسية ضيقة وليس من ناحية قومية استراتيجية لذلك يتم رفضها جملة وتفصيلا دون التفكير فيها بصورة عملية وعقلانية، وهذا يعنى غياب رؤية متفق عليها على الصعيد الوطني؛ ايضا قصور أجهزة التخطيط الاستراتيجي، وضعف القدرات الادارية وعدم القدرة على إحداث التنسيق المطلوب بين الوحدات المنفذة لتلك الخطط وتلك المعنية بالتقييم والرقابة وعدم توفر البيانات الاحصائية. ويثبت الفشل أنها خطط وبرامج افتقدت للتخطيط والتحليل الاستراتيجى، ونركز هنا على منظور التحليل الاستراتيجي لأنه جزء من عملية تخطيط السياسات، وتحليل تحديات تحديد الأهداف الاجتماعية والسياسة الملائمة لايجاد رؤية أساسية وتعنى بكيفية تطبيق منظور تحليلي استراتيجي باستخدام المشاكل الاجتماعية؛ من جانب آخر اعتقد انه لم يتم دراسة القوى العاملة والسكان من اجل دعم السياسات الاقتصادية وتحسينها بالتركيز على الطفل والاسرة، التعليم والتدريب، اسواق العمل، وسلوك التركيبة السكانية والهجرة من الريف الى المدن والهجرة الى الخارج، الشيخوخه والتقاعد؛ وهل استطاع السودانيون فهم كيفية تأثير القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية على عملية اتخاذ القرارات الفردية، وهل أجريت دراسات حول البيئة والطاقة والمياه والمناخ والكوارث والحروب باعتبارها احد عوامل نجاح التنمية الاقتصادية؛ وهل تم دراسة النمو الاقتصادى العالمى واتجاهاته، وهل تم دراسة احتياجات البنية التحتية، واستصحاب حاجات التنمية والحاجات الاجتماعية والاقتصادية.

          أخيراً السودان في حاجة الى خطة استراتيجية قومية قائمة على رؤية متفق عليها على الصعيد الوطنى يستصحب فيها التحليل الاستراتيجى كأحد اهم عوامل النجاح، ولا تخضع للتقلبات السياسية وامزجة الوزراء والسياسيين، لكن تخضع الى أسس قومية لمصلحة السودان.


الاثنين، 13 يوليو 2020

مزايا وعيوب استخدام مبدأ القيمة العادلة


مزايا وعيوب استخدام مبدأ القيمة العادلة

1-              مزايا منهج القيمة العادلة
            للقيمة العادلة مزايا عديدة رغم الانتقادات التي وجهت اليها ابان الازمة المالية العالمية التي بدأت بالولايات المتحدة الامريكية في 2007م وتسارعت خطاها في 2008م ومن هذه المزايا:
أ‌-       القيمة ذات مفهوم واضح " فهي القيمة التي يمكن الحصول عليها نتيجة  لعملية تجارية  من خلال بيع أو تسوية دين "؛ بالرغم من أن بنود القيمة العادلة هي فقط تلك الاصول المحتفظ بها للمتاجرة، أو تلك المتاحة للبيع، أو تلك البنود التي اختارت المنشأة تقييمها بالقيمة العادلة.
ب‌-       القيمة العادلة اكثر شفافية بطبيعتها بالنسبة لعملية الابلاغ المالي(الافصاح الشامل) حيث تستند الى الأسعار المدرجة في الاسواق النشطة، بمعنى أنها تتطلب افتراضات أقل من تلك الافتراضات الخاصة بالتكلفة التاريخية، على سبيل المثال هي شفافة لأن تقديرها يتم بصورة علنية ومباشرة في الاسواق النشطة.
ت‌-       لدى القيمة العادلة ميزة كونها مفهوم غنى بالمعلومات، نظرا لأن قيمتها المستندة الى السوق تمثل حصيلة آراء المشاركين في السوق، وليس فقط من أحد المشاركين في السوق بينما التكلفة التاريخية قيمتها محددة من جهة واحدة.
ث‌-       يحتج معارضو القيمة العادلة بأنها تخضع لتلاعب الادارة لإظهار النتائج التي ترغب فيها في الممارسة العملية؛ لكن البديل للقيمة العادلة هي التكلفة التاريخية التي ايضا يمكن تخضع لتلاعب الادارة وبصورة اكبر وخصوصا في الاستثمارات التي تقيد بالتكلفة التاريخية التي يمكن للإدارة  أن تبيعها  في فترة معينة، حيث يتم تأجيل الاعتراف بالتغير في قيم الاصول والخصوم؛ وهي بالتالي اكثر عرضة في تطبيقها للتلاعب.
ج‌-   التطور الهائل في عقود المشتقات وفي ظل نظام قائم على التكلفة يجعلها خارج الميزانية بسبب تكلفتها الضئيلة أو المعدومة، على الرغم من أنها قد تفقد قيمتها أو تزيد قيمتها بسبب تقلبات أسعار الفوائد وأسعار الصرف والسلع. لذلك كانت القيمة العادلة هي الطريقة الوحيدة لظهور هذه المشتقات والكشف عنها في الميزانية.
ح‌-   مشاكل الأوراق المالية المختلطة أو المهجنة  والتي تحمل مزايا نوعين من الأوراق المالية في وقت واحد؛ والخاصة بتحديد الحدود بين الفئات ومشاكل السماح بإعادة التصنيف من عدمه. هذا النوع من المحافظ المالية يهتم بزيادة رأس المال مع الحصول على نتائج جيدة مقارنة بالسوق، وهذا يعني تحمل درجة معينة من المخاطر. ومشاكل هذا النوع يمكن تجنبها باتباع اساس واحد في القياس لهذه الاصول والخصوم، ومن المنطقي والواقعي ان نقول إن القيمة العادلة هي اساس القياس الموثوق به.
خ‌-   القيمة العادلة ليس لها علاقة مع ظروف الاقتصاد الاستثنائية، فهي أساس قياس يعتمد علي نشاط السوق.
د‌-    توفر القيمة العادلة معلومات أكثر موثوقية وشفافية، حيث ان السوق النشط يحدد القيمة العادلة.
ذ‌-    يؤدى استخدام القيمة العادلة الي زيادة نسب الرفع المالي والمقدرة على الوفاء بعبء الديون في أوقات الرخاء، وهذا يؤدي الى زيادة فاعلية الاسواق، حيث أن هذه النسب من النسب المهمة بالنسبة للمقرضين والمستثمرين بالإضافة طبعا للإدارة، حيث أن هذه النسب تظهر مدى مساهمة الديون (سواء ممثلة في الالتزامات القصيرة الأجل أو الطويلة الأجل) في تمويل أصول المنشأة مقارنة بمساهمة الملاك، فعن طريق نسب الرفع المالي نستطيع معرفة نسبة حقوق المساهمين وكذلك نسبة القروض أو الديون الخارجية.  
ر‌-    تطبيق محاسبة القيمة العادلة يؤدي الى تخفيف حدة الازمات المالية، وذلك لأن استخدامها يعتمد على مؤشرات السوق  حسبما افادت به عدة دراسات.
ز‌-    قيمة الشركة ومركزها المالي لا ينحصر في صافي اصولها الملموسة، فسمعة الشركة لها قيمة كبيرة وفي كثير من الاحيان تكون كبيرة جدا، فيمكن لهذه القيمة أن تظهر ضمن اصولها غير الملموسة عموما، وخاصة شهرة المحل، وهذا الإجراء ينعكس على القوائم المالية بشفافية.
س‌-   يسمح التقييم بالقيمة العادلة للمنشآت بمعرفة مدى كفاءتها في إدارة أصولها وتسييرها، ويمكن للشركة من تدارك خطر تآكل رأس المال بما يحقق مبدأ فرض الاستمرارية.
ش‌-  منهج القيمة العادلة يراعي ويعمل وفقا لمتغيرات القوة الشرائية لوحدة النقد وهى بذلك مناسبة لتحقيق مفهومي المحافظة على رأس المال النقدي والمادي الطبيعي.
ص‌-      القيمة العادلة توفر معلومات وتعطى اشارات انذار مبكر للازمات المالية الوشيكة وبالتالي يمكن اتخاذ التدابير اللازمة قبل وقوع الازمة، وهي بذلك تقلل من حدة الازمات المالية.
2-         عيوب استخدام منهج القيمة العادلة
          كما أن هناك مزايا للقيمة العادلة أيضا لها عيوب، حيث لا يوجد طريقة مثالية محددة لقياس القيمة العادلة فتداولات السوق وحركته تنعكس على أسعار السوق النشط وهذا يؤدي الي وجود تباين في تقديرات البائعين والمشترين للأوراق المالية حول مقدار التدفقات النقدية المستقبلية لهذه الاوراق والتي تعتبر أحد الطرق لقياس القيمة العادلة وفي هذه الحالة تكون القيمة العادلة متوافقة مع القيمة السوقية ولكن في حالة الأسواق المالية غير النشطة فلابد من إدخال النماذج الرياضية لحساب القيمة العادلة والتي تخضع لطريقة تصميم نموذجها وإلى الأحكام الشخصية مما يحد من قدرة النموذج على التنبؤ. ومن هذه العيوب ما يلي:
أ‌-      يلقى باللوم على القيمة العادلة في تسببها في الازمة المالية العالمية رغم اختلاف اراء المحللين الماليين والاقتصاديين في تحديد سبب نشوء الازمة المالية، ولكن يرى كثير من الكتاب أن المشكلة ليست في القيمة العادلة ولكن في استخدام القيمة العادلة.
ب‌-    القيمة العادلة هي قيمة افتراضية يتم تحديدها طبقا لأسعار السوق، وأسعار السوق تخضع الى كثير من العوامل التي تؤثر عليها مثل العرض والطلب ومدى توفر المعلومات اللازمة لتحديد الأسعار بشفافية. ويرى الباحث ان اخضاع القيمة العادلة لأسعار السوق اكثر عدلا ولا يعتبر نقص في كفاءة القيمة العادلة.
ت‌-       صعوبة تحديد القيمة العادلة لبعض البنود مثل بنود المشتقات والتي اصبحت في الآونة الاخيرة ذات حجم كبير جدا من جملة الاستثمارات.
ث‌-       احيانا قد تتعدد القيمة العادلة لبند واحد من البنود في السوق الواحد أو الأسوق الاخرى، بسبب ندرة المعلومات عن السوق أو ان البند قابل لأكثر من تصنيف.
ج‌-   عدم تحديد القيمة العادلة بدقة يؤدى الى انتشار عدوى المحاكاة بين الاسواق سواء كان انخفاضا أو هبوطا، وبالتالي تكون القيمة العادلة قد بعدت عن عدالتها المرجوة.
ح‌-   تطبيق أساس القيمة العادلة قد يؤدى الى تضخيم الارباح خصوصا في حالات ارتفاع الأسعار.
خ‌-   في ظل تقلبات الأسعار والتقييم بالقيمة العادلة تكون هناك اختلافات كبيرة بين سنة وأخرى مما يؤثر على خاصية القابلية للمقارنة، وتصبح عملية التحليل المالي للقوائم المالية معقدة.
د‌-     ان القيمة العادلة وزيادة وخفض قيمة الاصول تسمح بزيادة الرافعة المالية للبنوك في اوقات الازدهار المالي، وهذا يجعل النظام المالي هشا واكثر ضعفا وعرضة للازمات المالية، بينما القيمة التاريخية تخلق احتياطيات خفية يمكن الاستفادة منها والاعتماد عليها في اوقات الأزمات.
ذ‌-    إن القيمة العادلة غير مسيلة (Illiquid Value)، حيث أنها تتعلق بمنتجات التوريق المالي (Securitization) الذي يسعى فيه المستورق للحصول على النقود (السيولة) لا المتاجرة بالسلعة، أو الانتفاع بها، لان حاجته إلى النقود لا تسد إلا بذلك، وبموجب التوريق يتم تحويل قروض مصرفية إلى أوراق مالية قابلة للتداول، وحسب رأى كثير من الكتاب تؤدي عملية التوريق إلى العديد من المخاطر على النحو التالي:
1-     يتم تحويل رهون الديون إلى أوراق مالية قابلة للتداول، وهذا ما حدث في الأزمة المالية الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة الرهون العقارية الأقل جودة (subprime)، حيث كان المواطن الأمريكي يشتري عقاره بالدين من البنك مقابل رهن هذا العقار، حين يرتفع ثمن العقار المرهون يحاول صاحب العقار ونتيجة لسهولة الحصول على قرض فإن صاحب الرهن يسعى للحصول على قرض جديد، وذلك مقابل رهن جديد من الدرجة الثانية، لذلك تسمى الرهون الأقل جودة، لأنها رهونات من الدرجة الثانية، أي أنها أكثر خطورة في حال انخفاض ثمن العقار، وتوسعت البنوك في هذا النوع من القروض الأقل جودة مما رفع درجة المخاطرة في تحصيل تلك القروض.
2-     أن الأوراق المالية التي تحدد أسعارها بناء على المستوى الثاني قد حدث انخفاض كبير في قيمتها نتيجة للانخفاض الحاد في أسعار الأرقام القياسية؛ حتي أن الانخفاض لم يبرر بسبب اقتصادي هام.
أ‌-    لن تعكس القيم العادلة الأسعار الحقيقية التي كانت سائدة في الأسواق المالية بسبب عدم توازن العرض والطلب.
ب‌-   عدم وجود علاقة بين القيمة العادلة التي يتم تحديدها في الأسواق المالية وإمكانية تولد تدفقات نقدية في المستقبل مساوية للقيمة العادلة أو قريبة من البند الذي تم تحديد قيمته خاصة في أزمات تبخر السيولة وفقدانها.
ر‌-   في كثير من الأحيان يقوم مفهوم القيمة العادلة علي مفهوم التدوير الصوري (procyclicality) أو التقلبات الدورية (countercyclical) وهو مصطلح يستخدم لوصف كيف ترتبط الكميات الاقتصادية بالتقلبات الاقتصادية وتضمن هذا المفهوم المخاطر التالية:
1-  فشل مفهوم دلالة الأسعار السوقية على البنود لأنها عكست أفضل مركز مالي في قمة الدورة الاقتصادية، وأسوأ مركز مالي في أدنى الدورة الاقتصادية، ويرجع السبب في ذلك إلى الأسواق المالية غير الكفؤة حتى في الظروف الاقتصادية العادية.
3-   اضطرار البنوك إلى تكوين احتياطيات ضخمة في أوقات الرخاء وتحقيق الأرباح واضطرارها إلى استخدامها في أوقات الشدة، ويحدث ذلك ليس عن طريق النظم والقواعد المحاسبية بل يحدث ذلك عن طريق تعديل الأنظمة واللوائح.
ز‌-   عدم قدرة كثير من الشركات والمؤسسات المالية العالم الثالث من تحمل تكاليف ونفقات تطبيق مبدأ القيمة العادلة؛ فغالبية هذه الشركات والمؤسسات صغيرة أو متوسطة الحجم و صغيرة أأأنن  منتمنمنوتحمل اية تكاليف اضافية سوف يؤدى الى اخراجها من دائرة المنافسة محليا وعالميا.
المراجع:

1.       Richard Aitken-Davies, Fair Value: AN ACCA Policy paper, The Association of Chartered Certified Accountants,     February 2009.P.P.3-4. www.accaglobal.com/economy
2.       خالد الجعارات ومحمود الطبرى، مرجع سابق، ص 242
3.      Christian Laux and Christian Leuz, Did Fair-Value Accounting Contribute to the Financial Crisis?,    Center for    Financial Studies. CFS Working Paper No. 2009/22,October 2009.P.8
4.       خالد الجعارات ومحمود الطبرى، مرجع سابق ص 242
5.        الجمعية السعودية للمحاسبة، المعلومات المحاسبية ودورها في أسواق الأسهم،( جامعة الملك سعود، 2005م)، ص23.
6.       Laux and Leuz, Did Fair-Value Accounting Contribute to the Financial Crisis?, Op.cit.,p.p.24-31
7.       حازم الخطيب وظاهر القشي، مرجع سابق ص25
8.      فريد زعرات، معالجة القوائم المالية من آثار التضخم وفقا للمعايير المحاسبية الدولية، رسالة ماجستير غير منشورة، (جامعة سعد دحلب بالبليدة: الجزائر 2009)، ص 135
9.      محمد مطر، مبادئ المحاسبة المالية الدورة المحاسبية ومشاكل الاعتراف والقياس والإفصاح، (عمان: دار وائل للنشر، ط4،2007 )،ص. 361
10.     Christian Laux. Christian Leuz. The Crisis of Fair Value Accounting: Making Sense of  the Recent Debate, The University of Chicago, Booth School of Business, Working Paper No. 33(2009).p.9.
11.    DAVID PROCHÁZKA, THE ROLE OF FAIR VALUE MEASUREMENT IN THE RECENT  FINANCIAL CRUNCH, PRAGUE ECONOMIC PAPERS, 1, 2011.p.75
12.    رشيد بوكساني، نسيمة أوكيل، حمزة العرابي، مبدأ التكلفة التاريخية بين الانتقاد والتأييد في ظل توجه المعايير المحاسبية الدولية نحو القيمة السوقية العادلة، الملتقى العلمي الدولي الأول حول النظام المحاسبي و المالي الجديد في ظل المعايير المحاسبية الدولية،  المركز الجامعي بالوادي، الجزائر، 17 18 يناير 2010م، ص 7
13.   المرجع السابق نفسه.
14.  Laux. & Leuz, Did Fair-Value Accounting Contribute to the Financial Crisis?, Op. cit.,p.9
15.  خالد الجعارات، محمود الطبرى، مرجع سابق، ص 252
16.  Christian Laux and Christian Leuz, The Crisis of Fair Value Accounting: Making Sense of the Recent Debate .Op. cit.,p.p.3-5
17.    حازم الخطيب وظاهر القشي، توجه معايير المحاسبة نحو القيم العادلة والدخل الاقتصادي وأثر ذلك على الاقتصاد، مجلة جامعة الزيتونة الاردنية، عمان، م2 ،ع2 ،2004م، ص




أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي

د. عمر محجوب محمد الحسين https://sudanile.com/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%...