الأحد، 24 نوفمبر 2019

صندوق النقد وخطر عدم المساواة الاقتصادية

صندوق النقد وخطر عدم المساواة الاقتصادية


          اصبح صندوق النقد الدولي منذ سنوات عدة تحت نيران المنتقدين، بالنظر الى نتائج برامجه التي يعتبرها البعض مدمرة وذات نتائج سلبية في كل الدول التي خضعت الى شروطه العلاجية؛ وابرز واشد انتقاد جاء من المحامي الأمريكي والخبير في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي ألفريد موريس دي زاياس (Alfred-Maurice de Zayas) الذى شغل منصب رفيع لدى الامم المتحدة، بأن سياسة الصندوق عززت الخصخصة واطلقت العنان للاقتصاد الحر، وأن الصندوق من خلال قروضه لا يراعى ولا يهتم بحقوق الانسان، وطالب الصندوق بمنح القروض فقط للدول التي تفي بالتزاماتها على صعيد التنمية واحترام حقوق الانسان. وكثير من الباحثين وجهوا اسئلة عدة حول معايير الصندوق،هل يطبق المعايير التي تضمن الحفاظ على التنمية؟ وهل يراعي المعايير الأساسية المطلوبة لدى كل دولة؛ وهنا نتوقف عند سؤال مهم وهو هل الآليات والشروط التي يعتمدها الصندوق لمنح قروض تتسبب في مزيد من الفقر لشعوب هذه الدول، وهل الالتزامات الكبيرة التي تلقى على عاتق الحكومات المقترضة مقيدة وتعيق حركة النمو وتدخلها في دوامة الاقتراض، وأن لا انعتاق من التبعية، ولا حرية في اتخاذ القرار الاقتصادي وبالتالي تبعية سياسية.
          فيما يلى سوف نناقش أربعة مجالات يعمل من خلالها صندوق النقد لتطبيق سياساته التي تحمل في طيّاتها خللاً في إعادة توزيع الدخل بحسب باحثين، أول هذه السياسات السياسة المالية لصندوق النقد، والتي يشكل فيها سعر الفائدة وقيمة العملة القاسم الاعظم المشترك، وهو يعتمدها لحل أزمة اقتصادية هيكلية لا تتعلق بهذين العنصرين فقط، حيث أن هذه السياسيات رغم أهميتها لكن يجب أن يلازمها إصلاحات اقتصادية حقيقية، وتنمية اقتصادية، وتبقى دائماً المبالغة في تطبيق السياسة النقدية فقط من أكبر المخاطر التي تهدد اقتصادات الدول بشكل خاص، والاقتصاد العالمي بشكل عام، فالمبالغة دائمًا ما يكون لها تأثير عكسي على اتجاهات النشاط الاقتصادي ووضعه، وهو ما حدث في الأرجنتين، ومنذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي اصبح التأثير في التضخم بشكل غير مباشر عن طريق المقاربة التقليدية القائمة على التحكم في المتغيرات الوسيطة مثل معدلات الفائدة، سعر الصرف، والمجاميع النقدية، لم تكن فعالة في خفض التضخم. من جانب آخر يؤمن بعض علماء الاقتصاد أن السياستين المالية والنقدية غير فعالتين في جميع البلدان، ويؤمن البعض بأنهما اداتين سياستين مهمتين، على الرغم من فعاليتها لكن تطبيقهما يعتمد على الظروف الاقتصادية لكل بلد. وفضلاً على ذلك، إن كيفية تطبيق السياسات عامل مهم للأدوات المختلفة لأن لها أثارًا مختلفة على مستوى الفعالية والمساواة والانماء والنمو، وحول موضوع عدم المساواة ذكرت كريستين لاغارد (Christine Lagarde) التى شغلت منصب مديرة عام صندوق النقد الدولي وتخلت عن المنصب في سبتمبر 2019م، في مقالة لها، ان الإصلاحات الحيوية الداعمة للنمو (مثل إصلاحات الزراعة والقطاع المالي والاستثمار العام) قد تؤدي في بعض الأحيان إلى توسيع نطاق عدم المساواة في البلدان الأقل دخلا.
           المجال الثاني من اشتراطات الصندوق للإصلاحات الهيكلية اتباع منهج الاقتصاد الحر، اذا علمنا أنه منذ عام 2011م وحتى عام 2019 هو العام الثامن على التوالي الذي يسجل فيه إجمالي الناتج المحلي العالمي نموا أقل من المتوسط طويل الأجل الذي يبلغ 3.7 في المائة وكان للفترة من 1990م الى 2007م، ومن المرجح أن يكون عام 2020م هو العام التاسع على نفس المنوال؛ في ظل حروب اقتصادية. ويُلاحَظ أن الاقتصاد العالمي لم يسجل أداءً بهذا الضعف لفترة طويلة منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، حيث تسبب التحول الاقتصادي الحر في إبطاء وتيرة النمو؛ والخطط التى يطرحها الصندوق في هذا المجال هي خفض القيود على حركة السلع وتدفّق رأس المال؛ على اعتبار أن فتح السوق المحلّية على الخارج ورفع القيود والرسوم على التجارة ستؤدّي إلى خفض عدم المساواة، وأن ارتفاع حجم التجارة مع الخارج سيؤدّي إلى تحسين الظروف المعيشية للعاملين في قطاعات إنتاجية موجّهة للتصدير. لكن الوقائع تشير الي نتيجة عكسية، ففي أميركا اللاتينية لم تؤدِّ اللبرالية إلى هذه النتائج، حيث تم رفع الحماية عن القطاعات ذات الكثافة العمالية العالية غير الماهرة، مما أدّى إلى انخفاض اجورها، وارتفع مؤشر عدم المساواة نتيجة لذلك.
          المجال الثالث من برامج الصندوق إصلاح القطاع المالي وهذه البرامج تبدأ بخصخصة المؤسّسات المالية ولن نتحدث عنها كثيرا لأنها تمت في عهد الانقاذ، لكن الصندوق يحدد مستويات معيّنة لمؤشّر التضخّم؛ يهدف إلى تحقيق استقرار القطاع المالي، وخفض التضخّم، وتقليص فرص حدوث انهيار للعملة المحلّية. لكن محاربة التضخم بهذه الاجراءات له كلفة عالية، حيث ان رفع معدّلات الفائدة كمثال هو إجراء لصالح الدائنين على حساب المَدينين، ومن شأنه أن يزيد من حدّة عدم المساواة ويوسّع الفجوة. وتشمل هذه الاصلاحات إدارة المؤسّسات المالية، وسندات الخزينة، والبنك المركزي وغيرها، علماً بأن اتفاقية اقراض غواتيمالا اشتملت على سقوف كمّية لمعدّل نمو المطلوبات المصرفية للقطاع الخاص والدَّائنين المحلّيين؛ كما الزمت أوغندا بضرورة خصخصة (مصرف أوغندا للتنمية) عام 2002م.
          المجال الرابع تقييد الدَّيْن الخارجي وهو احد المجالات ذات الأولوية للتعامل مع الدَّيْن الخارجي وفقاً لمجموعة معايير تحدّ من الحصول على ديون خارجية جديدة؛ وهذا يؤدى الى عجز عن الانفاق العام، وبالتالي خفض الإنفاق والذى غالبا ما يأثر به الباب الأول وبرامج التنمية. أخير يجب أن نشير الى ان اصلاحات الصندوق تؤثر بشدة على معامل جيني، وهو من المقاييس المهمة والأكثر شيوعا لقياس عدالة توزيع الدخل القومي؛ وهذا ما اثبته عدد من الباحثين من خلال دراسة 135 دولة للفترة من 1980م-2014م اخذت في الاعتبار متغيّرات وشروط الصندوق ابرزها المجالات التي ذكرناها في هذه المقالة، ونصيب الفرد من الناتج، والتضخّم، والبطالة، وشروط الدَّيْن، والتعليم، ومؤشّرات سياسية.

الجمعة، 4 أكتوبر 2019

الديماغوجية ودولار الكرامة

د. عمر محجوب محمد الحسين

الديماغوجية ودولار الكرامة

                    
       لا شك ان تفاعل الناس مع فكرة (دولار الكرامة) تفاعل مميز نابع من حسى وطني شحذته الحالة الثورية وتفاعل الناس مع الثورة؛ ومطلقي هذه الفكرة زينوا هذه الفكر للناس وسط هذا الحراك الثوري وهم يعلمون أنها لن تشكل اى مردود ينفع الاقتصاد فقط تظاهرة معنوية، وكذا وزارة المالية ركبت الموجة مع جوقة (سير سير)، حيث اشار وزير المالية في أكثر من لقاء لهذه الفكرة وتبنيه لها، ويقيني انه يعلم منتهاها؛ ذكرتني هذه الفكرة (قرش الكرامة) عام 1979م في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري اثر طلب الرئيس القذافي ارجاع القرض الذى منحه للسودان بعدما رفض الرئيس نميري مرور طائرات الجيش الليبي فوق الأراضي السودانية لمساندة الرئيس عيدي امين ضد غريمه الرئيس جوليوس نيريري بسبب الخلاف الحدودي بين الدولتين. ومن الناحية المنطقية وحتى نستبصر ونجلي الأمر، علينا ان نعلم انه لا اعانات ولا تبرعات اعانت دولة ما على النهوض وكمثال هناك دول عربية تتلقى مساعدات اقتصادية سنوية من الوكالة الامريكية للتنمية، مثل مصر، الاردن، لبنان، البحرين، تونس، المغرب، اليمن، سوريا، الصومال والعراق، وحتى السودان تلقى حوالي 137.8 مليوناً، 125 مليون منها لعمليات الإغاثة وللمعونات الغذائية؛ رغم انخفاض الدعم الأمريكي للسودان بسبب العقوبات الامريكية، علماً بأن الدعم ارتفع ابتداءً من عام 2010م، ليصل حتى عام  2013م الى 170 مليون دولار امريكي؛ ونسأل هنا ما هو وضع هذه الدول الاقتصادي، هل تعيش في بحبوة، وليس لديها مشاكل اقتصادية ونجحت فيها مشاريع التنمية، وتعيش شعوبها في رفاه؛ قطعا لا والدليل استمرار هذه المساعدات السنوية دون انقطاع مع ازديادها بسبب استسهال الحصول عليها بالاستفادة من التناقضات السياسية.
         وفيما يلى تقدير لإيرادات (دولار الكرامة) المتوقعة على افتراض أن عدد المغتربين هو 5 ملايين شخص وكلهم سوف يساهمون شهرياً ب 10 دولارات لمدة ثلاثة سنوات، نجد أن مجموع الايرادات في السنة الواحدة هو 600 مليون دولار وفى الثلاثة سنوات مليار وثمانمائة الف، وهذا مبلغ قليل بالنسبة لاحتياجات السودان التي ذكر حمدوك انها حوالى 8 مليارات لمقابلة الواردات للمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد السوداني، بالإضافة إلى ملياري دولار أخرى يحتفظ بها كاحتياطي من النقد الاجنبي لدى بنك السودان المركزي، لإيقاف تدهور سعر صرف الجنيه السوداني؛ وهذه العشر مليارات فقط لعامين بمعدل 5 مليار لكل عام، واذا تحققت ايرادات (دولار الكرامة) كما بينا سابقا في السنة الأولى، تبقى الحاجة قائمة الى 4 مليار واربعمائة مليون، اذاً التعويل على (دولار الكرامة) لن يكون سوى قطرة في محيط؛ ويبقى تصويره على انه امراً عظيما سوف يقيل عثرة اقتصادنا، وتطمين المواطن به؛ نكون قد اخفينا حقائق الامور عن المواطن وانعدمت بذلك الشفافية وكان ذلك مثل مبلغ ال 64 مليار دولار المنهوبة والموجود في البنوك الماليزية، ومثل تلك المبالغ التي ضبطت في بيوت الكيزان؛ وكحال مبلغ ال 70 مليار الذى تعهد بها المغتربين لا بل حصلوا عليها فعلياً، كما زعم احد المرجفين. ونشير من جانب آخر الى أن الحصول على المبالغ التي تحدث عنها رئيس الوزراء تحتاج الى التوصل الي اتفاق مع الدول الصديقة وهيئات التمويل الدولية بشأن هذه المساعدات، بالإضافة الى التفاهم مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حول إعادة هيكلة ديون السودان، والوصول الى تفاهمات مع الجهات المانحة وبعض الأطراف في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي حول فوائد الدين السيادي البالغ حوالي ثلاثة مليارات دولار؛ وهذه التفاهمات ستفتح الطريق لاستفادة السودان من برامج الإعفاء من الديون وجدولة الديون وبالتالي القدرة على الحصول على المنح والقروض من الجهات المانحة.     
       ولا ننسى أن نشير الى خطط الحكومة نحو رفع الدعم عن السلع المدعومة، التي ربما تسبب اضطرابات ومظاهرات؛ ومعروف لدى الاقتصاديين ورجال السياسة، أن اي عدم استقرار سياسي يؤدي بالضرورة إلى عدم استقرار اقتصادي. ونشير الى مشروعية مطالب المواطن الاجتماعية، مثل تحسين الظروف المعيشية على اقل تقدير توفير الوقود والخبز، وتوفير فرص العمل، وزيادة المرتبات والأجور؛ لكن ان صاحبتها مظاهرات وانفلات امني ستكون نتائجها كارثية على الأوضاع الاقتصادية. وكمثال قد تسبب الاعتصامات العشوائية والمتتالية في تعطيل الإنتاج والإنتاجية، مع إحداث فوضى داخل أغلب المؤسسات الحكومية وحتى البنوك من خلال التقاعس عن العمل أو التهرب منه، وبالتالي التقاعس اداء المسؤولية بذريعة المشاركة في الإضراب تحت شعار الثورية والحرية والعصيان المدني. وعلى الساسة والذين يديرون هذه المرحلة عدم الاعتماد على (الديماغوجية)؛ وهي كلمة يونانية تعني الأساليب التي يتبعها السياسيون لخداع الشعب وإغراءه ظاهرياً للوصول للسلطة وخدمة مصالحهم؛ ونذكرهم انه قبل الثورة كثيرا ما استخدمت الديماغوجية الدينية وكانت النتيجة الحتمية ظهوركم انتم على المشهد. واهم ما يحمى الثورة الشفافية وتمليك المواطن الحقائق كاملة عن الوضع الاقتصادي وكيفية تخطى الأزمة بالتضحيات والعمل والاجتهاد والصبر.
             ان فكرة (دولار الكرامة) لا شك أنها فكرة عظيمة المعاني ويجب الاستمرار فيها لتزويد المواطن بالدافع والطاقة المعنوية وسلوك المشاركة؛ لكن لا يجب أن نفهم المواطن ان (دولار الكرامة) هو الحل وان الاموال المنهوبة هي الحل لمشكلات السودان من خلال بيع الاوهام باستخدام اساليب الديماغوجية في اللقاءات الحماسية الثورية، واشعال المطالبات النقابية، وشعارات كنس الكيزان، والاخبار المفبركة عبر المؤتمرات الصحفية، التي في ظاهرها خدمة مصالح المواطنين والثورة؛ وفي باطنها التلاعب بمشاعر المواطنين واحداث نوع من الغشاوة عن الحقيقة. ان حل مشاكلنا لن تأتي من ديماغوجي محترف أو بخطاب حماسي ولكن بمشاركة الجميع للقيام بمسؤولية ايجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛ من الدولة ومن خلال مؤسساتها، والمجتمع المدني، والأحزاب السياسية والنقابات المهنية غير الديماغوجية؛ ومن خلال العنصر الأهم وهم أفراد المجتمع؛ ولن تكون الديماغوجية قمحاً ولا زاداً للتنمية.


السبت، 14 سبتمبر 2019

تداعيات حروب الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي

د. عمر محجوب محمد الحسين

تداعيات حروب الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي


        يجمع الخبراء حول هشاشة الوضع الاقتصادي العالمي واتجاهه نحو الركود. شهد العقد الماضي سلسلةٌ من الأزمات الاقتصادية والصدمات السلبية الواسعة النطاق، بدءا من الأزمة المالية العالمية للفترة 2008-2009، تلتها أزمة الديون السيادية الأوروبية للفترة 2010-2012م، وإعادة تنظيم الأسعار العالمية للسلع الأساسية للفترة 2014-2016م؛ والاقتصاد العالمي بدلا من ان يتعزز اتجه نحو توقعات غير مبشرة بدءاً من عام 2018م رغم أن التوقعات كانت تشير الى انه ربما تتحسن ظروف الاستثمار بشكل عام، بفضل انخفاض حدة التقلبات المالية، وانحسار هشاشة القطاع المصرفي، والانتعاش في بعض قطاعات السلع الأساسية، وبفضل توقعات عالمية أقوى للاقتصاد الكلي؛ لكن ارتفاع مستوى عدم اليقين في مجال السياسات، وارتفاع مستويات الديون يحولان دون انتعاش محددات الاستثمار؛ حيث أن عدد من أوجه عدم التيقن والمخاطر باتت واضحة، لاسيما في مجال السياسات الذي ألقي بظلاله على آفاق التجارة العالمية، والمعونات الإنمائية، والهجرة والأهداف المتعلقة بالمناخ ويظهر ذلك بوضوح في سياسات الرئيس ترامب حول الهجرة والتغير المناخي. كل ذلك أخر تحقيق انتعاش في الاستثمارات والانتاج على الصعيد العالمي. ويمكن أن تؤدي حدة التوترات الجيوسياسية إلى تعزيز الاتجاه نحو المزيد من السياسات الانفرادية ومثال ذلك سياسات الولايات المتحدة المنفردة. من جانب آخر أسفر طول مدة الوفرة في السيولة العالمية وانخفاض تكاليف الاقتراض عن زيادة أخرى في حجم الديون العالمية نتج عنه تراكم الاختلالات المالية، كما أنه يرتبط من جانب آخر بمستويات الاسعار المرتفعة الحالية لأسعار الأصول، مما يوحي بتدني أسعار المخاطر؛ ايضاً تعمل المصارف المركزية في الاقتصادات المتقدمة حاليا على مسارات جديدة وضبابية، حيث لا توجد سوابق تاريخية للاسترشاد بها، وهذا يجعل أي تعديل للأسواق المالية أصعب من ناحية القدرة على التنبؤ خلال فترات الانتعاش السابقة مما يزيد من المخاطر المرتبطة بأخطاء السياسات.
            وفي ظل هذه الهشاشة كانت سياسات الولايات المتحدة وحروبها حاضرة مما زاد من حدة التوقعات حول الركود؛ وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها أن احتدام الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد أثر في اقتصاد العالم؛ حيث تسببت الحرب التجارية في فقدان الثقة في الشركات الأميركية الصغيرة، وإعاقة الأعمال التجارية بين عمالقة آسيا الصناعيين، وتضرر نشاط المصانع التي يقوم عملها أساسا على التصدير في الدول الأوروبية، وكانت الولايات المتحدة قد فرضت رسوما جديدة بنسبة 15 في المائة على السلع الصينية شملت الملابس والأدوات والإلكترونيات، بينما ردت الصين على سياسات ترامب من خلال استهداف واردات فول الصويا الأميركي والنفط الخام والأدوية، بالإضافة الى شكواها إلى منظمة التجارة العالمية بشأن الرسوم التي فرضت على سلعها. كما تأثرت الشركات الأميركية الصغيرة حسب صحيفة وول ستريت جورنال، أن الثقة الاقتصادية في الشركات الأميركية الصغرى قد تراجعت خلال أغسطس 2019م إلى أدنى مستوى لها منذ نوفمبر 2012م. واثبتت دراسات أن أعمال 45 في المائة من هذه الشركات سوف ستتأثر برسوم ترامب. اما في دول آسيا واليابان، أعلنت كوريا الجنوبية انخفاض صادراتها إلى الصين في أغسطس الماضي بنسبة 21.3 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من السنة الماضية، مما أدى إلى انخفاض إجمالي الصادرات بنسبة 13.6 في المائة؛ اما اليابان ذكرت تقاريرها أن النفقات الرأسمالية للشركات المصنعة في البلاد انخفضت بنسبة 6.9 في المائة في الربع الأول من عام 2019م، وهو أول انخفاض منذ عامين، وتشير تقارير عدة إلى تراجع الأنشطة الصناعية في تايوان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا في أغسطس الماضي، ونتائج متباينة في الصين؛ كما تشير التقارير الى انه سوف ستفرض رسوم إضافية بنسبة 15 في المائة على الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة وألعاب الفيديو وغيرها من المنتجات الصينية ابتداءً من ديسمبر القادم.
            أما في أوروبا وحسب تقرير لرويترز فقد سُجل انخفاض ملحوظ في الأنشطة الصناعية في ألمانيا، التي تعد المورد العالمي الرائد للآلات والمعدات التكنولوجية، وهذا مؤشر على استمرار الصعوبات التي تواجه المانيا التي تعتبر احد اكبر المصنعين في اقتصاد في أوروبا؛ ويأتي ذلك كله في خضم تهديدات وتصريحات الرئيس الامريكي بتبنيه لمواقف أكثر تشددا في ولايته الثانية إذا ما تلكأت الصين في المفاوضات، لتتزايد مخاوف السوق من أن تشعل هذه الحرب التجارية بين البلدين شرارة ركود الاقتصاد العالمي؛ والاخطر ما يشير اليه الخبراء من ان تهديدات ترامب بالرسوم تهدف أكثر إلى جذب اصوات الناخبين، ولفت انتباه وسائل الإعلام، وهذا جهل بمخاطر هذه الاجراءات والاستخفاف بمؤشرات الركود الاقتصادي المحدق. لن تتوقف آثار هذه الحرب على الولايات المتحدة والصين، لكن تأثيرها سيكون سلبيا على المؤشرات العالمية للنمو، حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة 5 في المائة لأول مرة منذ ديسمبر 2018م، بينما انخفض مؤشر بورصة شنغهاي إلى 2888 نقطة في مايو الماضي. وكان تقرير لفوربس قد أشار الى أن نمو التجارة الذي يعد الشريان الرئيسي للاقتصاد العالمي تباطأ بشكل ملحوظ إلى حوالي 4 في المائة في عام 2018م،  نتيجة للقيود التجارية المفروضة من قبل البلدين، والتي تؤثر بشكل سلبي على خطط الاستثمار في جميع أنحاء العالم، واكد البنك الدولي في تقرير نشره في مايو الماضي، الى أن هذه الحرب التجارية شكلت مخاطر كبيرة على انتعاش الاقتصاد العالمي الذى كان متوقعاً في النصف الثاني من عام 2019م؛ وفي مطلع أبريل الماضي، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي في 2019 إلى 3.3 في المائة. وتشير المؤشرات الحالية الى انخفاض الاسهم العالمية بصورة واضحة، تباطؤ في النمو في الصين واوروبا، بالإضافة الى التباطؤ الذى تشهده الولايات المتحدة في الانتاج الصناعي، ويشهد العالم ارتفاع حجم السندات السيادية العالمية ذات العائد السلبي الى 15 تريليون دولار لعشر سنوات. فهل نحن مقبلون على ركود بفضل ترامب ؟



الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

التصنيف الائتماني وخطط حمدوك للاستدانة

د. عمر محجوب محمد الحسين

التصنيف الائتماني وخطط حمدوك للاستدانة

            الوضع الاقتصادي في السودان الذى يواجه رئيس مجلس الوزراء والفترة الانتقالية برمتها لاشك جد معقد، ويمثل حل المشكلة الاقتصادية القاسم الاعظم المشترك لاستقرار الفترة الانتقالية ونواة استقرار الفترة الديمقراطية؛ ونعاني من تضخم، انخفاض احتياطي النقد الاجنبي، انخفاض قيمة الجنيه، تعثر مصرفي، سيولة نقدية هائلة خارج الجهاز المصرفي، ندرة سلع اساسية وعجز في اجراء اية تعاملات مصرفية بسبب قائمة الارهاب الامريكية؛ والاخطر من كل ذلك تصنيف السودان الائتماني ( Credit Rating at 15.00) وهو تصنيف عند (CCC) حسب تقارير وكالات التصنيف الائتماني الرئيسة  S&P، Moody's، Fitch، DBRS، وبشكل عام، يتم استخدام التصنيف الائتماني من قبل صناديق الثروة السيادية، وصناديق المعاشات التقاعدية والمستثمرين الآخرين لقياس الجدارة الائتمانية؛ وبالتالي يكون لها تأثير كبير على تكاليف الاقتراض. وتصنيف السودان استند على حجم الديون الحكومية للسودان وفقًا لتقارير وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية، ولا شك أن هذا التصنيف معضلة تواجه رئيس مجلس الوزراء وحكومته في الفترة القادمة، علماً بأن اول ما صرح به هو الحاجة الى مساعدات أجنبية بقيمة ثمانية مليارات دولار، بالإضافة إلى ملياري دولار أخرى تودع كاحتياطي من النقد الاجنبي في بنك السودان للمساعدة في إيقاف تدهور سعر صرف الجنيه، ولا ادري لماذا استبق حديثة الحاجة الى المساعدات والقروض بدلا من الحديث عن استهداف التضخم، خاصة وأن المؤشرات تشير الى ان العالم مقبل على فترة ركود في ظل وضع اقتصادي سيئ، ويُظهر ذلك انخفاض الاسهم العالمية بصورة واضحة، تباطؤ في النمو في الصين واوروبا والذى انخفض حسب الى التقارير من 11 في المائة الى 3 في المائة، بالإضافة الى التباطؤ الذى تشهده الولايات المتحدة في الانتاج الصناعي في ظل حرب ضرائب وعملات مع الصين، والذى وصل الى سالب 0,2 في المائة من موجب 0,2 في المائة رغم ان التوقعات كانت في حدود موجب 0,3 في المائة؛ من جانب آخر يشهد العالم ارتفاع حجم السندات السيادية العالمية ذات العائد السلبي الى 15 تريليون دولار لعشر سنوات، مع زيادة الدول ذات العائد السلبي وتوقع انضمام الارجنتين والمكسيك الى هذه الدول.
   لذلك في هذه الاجواء والتوقعات من الركود القادم للاقتصاد العالمي؛ يكون الحصول على مساعدات امراً عسيراً جداً وليس بالهين، وأن الخروج من ديون السودان التي تحدث عنها رئيس مجلس الوزراء لا مخرج منها إلا بالمزيد من الديون والاستمرار في الدائرة المفرغة وغير المتناهية للمشكلة الاقتصادية تتحمل نتائجها الحكومات القادمة. واعتقد أن الحل يفترض يبدأ  بالعمل الجاد على خفض التضخم باستهدافه كمرحلة اولى، مع وجود احتياطي من موارد الذهب (اشار له رئيس مجلس الوزراء) من النقد الاجنبي كاحتياطي في البنك المركزي، لأن احد اسباب انخفاض قيمة الجنيه انخفاض الاحتياطي لدى بنك السودان المركزي وبسبب ارتفاع المستوى العام للأسعار الذى نشأ بسبب الطلب على السلع والخدمات دون زيادة الانتاج، بالإضافة الى زيادة الكتلة النقدية بشكل كبير؛ والارتفاع في المستوى العام للأسعار لا يؤثر فقط على المستهلكين ولكن على المنتجين والمستوردين والمصدرين الذين يشكلون اطراف قيمة الناتج القومي الاجمالي. ان البداية الصحيحة للحد من التضخم الذى يبلغ حالياً 72 في المائة هو الإعلان الصريح عن اهداف رقمية لمعدل التضخم في الاجل المتوسط تلتزم بموجبه السلطة النقدية التزاما صريحا بتحقيق معدل تضخم أو مدى مستهدف محددين في اطار مدة محدد؛ من خلال سياستين، سياسة مالية وسياسة نقدية كأدوات كمية؛ مع التزام مؤسساتي بأن استقرار الاسعار هو الهدف الأول للسياسة النقدية في المدى الطويل مع التعهد المستمر بتحقيق هذا الهدف، وضرورة وجود قاعدة استراتيجية شاملة للمعلومات، التي تحتوي على المتغيرات المتعلقة والمؤثرة على النتائج المستقبلية لمعدل التضخم، مع اخضاع البنك المركزي للمساءلة في المدى الطويل.
والسياسة المالية يتم من خلالها معالجة مشكلة التضخم باستخدام أدوات المالية تتمثل في خفض الأنفاق الحكومي وخاصةً الإنفاق الاستهلاكي الذى يؤدي إلى زيادة الطلب، وزيادة الإنفاق الاستثماري صحيح انه يؤدي الي زيادة الأسعار بالنسبة للسلع الرأسمالية في بداية الأمر، لكن بعد ذلك يؤدي إلى انخفاض الأسعار ومن ثم التضخم لأنه يؤدي إلى زيادة الانتاج مقابل ثبات أو زيادة الطلب بنفس النسبة مع الحد من الادخار؛ والادخار ظاهرة متفشية في السودان من خلال تحويل المدخرات الى عملات صعبة أو شراء عقارات واراض وهذا يكدس المال ويجعله مجمداً خارج دائرة التداول والاستثمار ويبقيه دون أثر حيوي مدة طويلة، وعند تسييله ينفق انفاقاً استهلاكياً، والادخار بهذه الطريقة يعد عملاً سلبياً على الاقتصاد؛ ايضاً زيادة الضرائب ستؤدي إلى اقتطاع جزء من دخول اصحاب الدخل الكبير، وهذا ما ينعكس على انخفاض الطلب على السلع والخدمات الكمالية، فتنخفض الأسعار وينخفض التضخم.
         ايضا من خلال السياسة النقدية وبواسطة أدواتها المتمثلة سعر الفائدة ونسبة الاحتياطي النقدي وعمليات السوق المفتوحة، يمكن معالجة مشكلة التضخم. ذكرنا سابقاً إن التضخم يمكن أن يحصل كنتيجة لزيادة السيولة النقدية، ورفع سعر الفائدة يؤدي إلى سحب السيولة النقدية من الأسواق بسبب إيداع  في المصارف للحصول للاستفادة من سعر الفائدة. كما يمكن أن يلجأ البنك المركزي إلى زيادة نسبة الاحتياطي الخاص بودائع البنوك، وهذه الزيادة تحد من قدرة البنوك على منح الائتمان.  كذلك يمكن أن يتبع البنك المركزي عمليات السوق المفتوحة لمعالجة التضخم، بدخوله إلى سوق الأوراق المالية كبائع للأوراق المالية، حيث ان بيع الأوراق المالية مقابل النقود يعني سحب السيولة النقدية من الأسواق ومن ثم انخفاض الطلب والتضخم؛ أيضا دخول البنك المركزي كبائع إلى الأفراد والبنوك التجارية والمؤسسات المالية، سيؤدي إلى تقليص الاحتياطيات النقدية لدى البنوك التجارية وبالتالي قدرتها على منح الائتمان.
         والسؤال ما هي خطط رئيس الوزراء في ضوء مؤشرات الركود القادم وامكانية عدم الحصول على تلك المليارات ؟.

الأحد، 1 سبتمبر 2019

الفرق بين القياس والتقييم

د. عمر محجوب محمد الحسين

الفرق بين القياس والتقييم

          القياس والتقييم Measurement and evaluation  بصورة عامة في مجال الاعمال وادارتها نجد ان كلاهما وسيلة لرصد وقياس التقدم الذى احرزه الأفراد أو المجموعات في مكان العمل أو في البيئة التنظيمية، أو قياس وتقييم الأداء الاقتصادي؛ وتساعد نتائج القياسات والتقييمات في تحديد الأنظمة المحتملة والفعالة التي قد يتم وضعها لضمان الأداء الفعال في مؤسسات الأعمال. هناك العديد من أوجه التشابه في هاتين الطريقتين ولكن هناك اختلاف بسيط واحد يميزها [1].
القياس: إن مقومات القياس ترجع إلى النظرية الكلاسيكية للقياس والنظرية الحديثة للقياس؛ والنظرية الكلاسيكية ترجع إلى عالم الفيزياء Galileo الذي وضع أسس عملية القياس في العلوم الطبيعية وحدد عنصرين اثنين لعملية القياس هما النظام العددي و القواعد الحسابية وأضافHelmholtz  عنصراً ثالثاً وهي قاعدة الإضافة الرياضية، وسار على هذا النهج أيضا Campell الذي عرف بأنه منظر النظرية الكلاسيكية، وحسب النظرية الكلاسيكية أصبح القياس محصورا في الخواص الطبيعية الملموسة، واستمرت هذه المفاهيم الكلاسيكية حتى منتصف العقد الخامس من القرن العشرين حتى أصدر S.S. Steven مؤلفاً دحض فيه مفاهيم القياس الكلاسيكية ودعا إلى تبني مفاهيم جديدة كانت حجر الزاوية للنظرية الحديثة للقياس، ومن هذه المفاهيم قابلية عملية القياس لإجراء مقابلة أو اقتران بين عنصر معين يمثل الخاصية محل القياس ؛ بعنصر آخر في مجال آخر هو عدد أساسي يمثل المحتوى الكمي للخاصية محل القياس، وذلك دون ضرورة تمتع الخاصية محل القياس بخاصية الإضافة الطبيعية [2]. 
التقييم: هو تحديد قيمة وأهمية شيء باستخدام معايير معينة خاصة بموضوع هذا الشيء. وهذه المعايير يمكن أن تساعد أي منظمة أو برنامج أو تصميم أو مشروع،  لتقييم أي هدف يمكن تحقيقه أو أي بديل للمساعدة في صنع القرار؛ أو للتحقق من درجة الإنجاز أو القيمة فيما يتعلق بهدف وأهداف ونتائج أي إجراء. الغرض الأساسي من التقييم، بالإضافة إلى التعرف على المبادرات السابقة أو الحالية، هو تمكين التفكير والمساعدة في تحديد التغيير في المستقبل.
            غالبًا ما يستخدم التقييم لتمييز وتقييم الموضوعات ذات الاهتمام في مجموعة واسعة من المؤسسات الانسانية، بما في ذلك الفنون والعدالة الجنائية والمؤسسات والمنظمات غير الهادفة للربح والحكومة والرعاية الصحية والخدمات الإنسانية الأخرى، إن عملية التقييـم عملية طويلة الأجــل وممتدة خلال فترة زمنية يتم في نهايتهــا تحديد مـــدى تحقق الأهداف [3].
القياس والتقييم هي العمليات التي يتم استخدامها لتوفير معلومات حول شخص أو كيان وأدائه. يتم استخدام القياس والتقييم معًا للمساعدة في تطوير الأفراد أو الأنظمة لتحسين الأداء أو لتعديل النظام ليناسب احتياجات الفرد أو المجموعة أو العمليات التجارية.
             أشار بيل غيتس الي أهمية الحاجة  للقياس في العمل عندما قال: "في مجال الأعمال التجارية فكرة قياس ما تقوم به، واختيار القياس المناسب الذى يعتمد عليه، مثل رضا العملاء، والأداء ..... أنت سوف تنجح وتتقدم بذلك"[4]. وهذا هو القياس الذي نتحدث عنه والذي يساعد في عملية التقييم.



القياس Measurement هو كل شيء عن الأرقام والقدرة على تحديد الأداء أو القدرات. يساعد التقييم في استخدام البيانات والمعلومات للحكم على النجاح أو الفشل. يمكن أن يحدث التقييم دون قياس رقمي لأنه يقيس الأداء.
القياس يتطلب بعض الأدوات الموحدة للقياس. يقيس عداد السرعة سرعة السيارة المتحركة ومقياس الحرارة يقيس درجة حرارة فضاء معين. تساعد هذه الأدوات في قياس وتسجيل السمات المادية.
يستخدم التقييم Evaluation للحكم على قيمة أو قيمة الخطة أو المشروع. يمكن استخدام التقييم مع القياس لتقييم أداء التلاميذ أو العمال. التقييم عنصر أساسي في أداء الموظف ويساعد في قياس تقدمه في اداء وظيفته. يمكن أن يحدد التقييم احتياجات كل موظف على حدة حتى يتسنى تنفيذ برنامج وخطط تتناسب مع مستوى تفهمهم وادراكهم [5].
القياس هو حول الأرقام والبيانات والاحصاءات الموحدة. تشكل فوائد التقييم الفرصة لاستخدام البيانات من أجل مقارنة معدل نجاح موظف أو الكائن الذي قد لا يكون بالضرورة كميا. يمكن تقييم الانتاج والأداء الفردي من قبل محترفين في مجال خبرتهم. وتعتبر البيانات المقاسة إضافة لعملية التحقق والتقييم وتوفر مؤشرات أداء دقيقة حيث يمكن مقارنة كل قياس.
 تعتبر القياسات أكثر موضوعية لأنها تحتوي على معايير رقمية للمقارنة والتسجيل. لكن ايضاً يمكن اعتبار التقييم أكثر موضوعية لأن المقيِّم والمقاييس المستخدمة جزء من العلوم الإنسانية والأداء.
            قال ألبرت أينشتاين أنه: "لا يمكن بالضرورة حساب كل شيء يمكن حسابه بكل شيء يمكن حسابه بالضرورة". لذلك بناءً على ملاحظة آينشتاين، سيكون من الصحيح القول إن القياس والتقويم يسيران جنبًا إلى جنب في تقييم جوانب الحياة التي يمكن القيام بها.
            يمكن لرجل الأعمال والسياسي والاقتصادي و للمعلم ورجل الشارع العادي الاستفادة من نتائج القياس والتقييم. أن القياسات والتقييم تخدم نفس الغرض، ولكن باستخدام أنماط مختلفة من الملاحظة لاستنتاج النتائج والقيم [6].
القياس المحاسبي
             إن تعدد الأساليب العلمية والتجريبية الحديثة أدى إلى ابتكار وسائل وأساليب متعددة للقياس في مجال العلوم المختلفة تتميز بالدقة، ولكن يختلف مدى القياس في الفكر المحاسبي عن نظيره في العلوم الأخرى؛ ويقصد بمدى القياس شمول نطاق قياس التكلفة والقيمة ومكونات هذا النطاق، والخلاف في نظام القياس المحاسبي يكون بسبب اختلاف الأسلوب أو العوامل التي يتم مراعاتها عند إجراء عملية القياس المحاسبي وكذا الحال بالنسبة للأداة المستخدمة في التعبير عن موضوع القياس. ولا يعني اختلاف القياس في الفكر المحاسبي عن العلوم الاخرى أنه لا يوجد رابط فيما بينها، فلقد تأثرت نماذج القياس المعروفة في الادب المحاسبي بنموذج القيمة المعروف في الفكر الاقتصادي [7].
إن القياس المحاسبي شأنه شأن أي قياس آخر لا يمثل قيما مطلقة لا تتأثر بالزمان والمكان، بل ينسب إلى نظام القياس نفسه والعوامل المؤثرة فيه، وهذا يقاس بما حدده الفيزيائي البرت اينشتاين من أن اثر البعد الزمني في نظام القياس الفيزيائي حيث أدرك أن المسافة نفسها تتغير بفعل تغير الزمن سواء نقصا أو زيادة وبفعل ذلك تمكن من تعديل القياس الفيزيائي الذي كان يعتمد على نظرية نيوتن لقياس آخر معدلا له. وإذا كانت وحدة القياس الفيزيائي تمثل مقدارا ثابتا نسبيا، فإن القياس المحاسبي أكثر تعقيدا حيث تمثل وحدة القياس تجريدا منطقيا يعكس العلاقات الاجتماعية في لحظة معينة ويكون اثر بعد الزمن أكثر أهمية بالنسبة لوحدة النقود التي تمثل وحدة القياس المحاسبي، حيث يكون بعد الزمن يمثل مجموعة من المتغيرات الاقتصادية التي تؤثر في تشكل السعر، لذلك نجد أن القياس التقليدي يمثل افتراضات معينة قد تبتعد عن الواقع الموضوعي، ومجرد الشك في هذه الافتراضات يؤدى إلى الشك في القيم الظاهرة في قائمة المركز المالي في لحظة معينة [8].
تعريف القياس المحاسبي
            القياسMeasurement  هو عملية تحديد القيم النقدية التي يجب الاعتراف بها وإدراجها لعناصر القوائم المالية في الميزانية العمومية وقائمة الدخل عن طريق اختيار أساس محدد للقياس، وهذا التعريف ورد ضمن معايير قياس عناصر القوائم المالية [9]. أيضا يعتبر القياس أحد الوظائف الأساسية والهامة في المحاسبة، كما أن كثير من الدراسات تعتبر القياس المحاسبي أحد أهم فروض علم المحاسبة، حيث ورد في تعريف الجمعية الامريكية للمحاسبة(A.A.A) ما يلي: "Accounting is the process of identifying, measuring and communicating financial information about an entity to permit informed judgments and decisions by users of the information". أي  " انه عملية تحديد وقياس ونقل المعلومات والبيانات الاقتصادية للاستفادة منها في اتخاذ القرارات من طرف المستفيدين من البيانات" [10] وفى هذا التعريف ذكرت عملية القياس باعتبار أن البيانات والاحداث المالية يجب قياسها قبل عرضها على المستفيدين من القوائم المالية. ويعرف القياس المحاسبي بصفة عامة بأنه مقابلة أو مطابقة أحد الخصائص الخاصة بمجال معين مع خصائص مجال آخر، وتتم هذه المقابلة باستخدام الأرقام والكميات ([11])، والمقاييس الكمية لها أثر كبير في تحديد دقة التعاريف. وتم تعريف القياس المحاسبي من طرف مجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB) كالآتي:
(IASB, 2009 Para 99): " Measurement is the process of determining the monetary amounts at which the elements of the financial statements are to be recognized and carried in the statement of financial position and the statement of comprehensive income".  
 القياس هو عملية تقييم وتحديد الأحداث النقدية  الناتجة عن النشاط المالي والمرتبطة به وبيان أثر ذلك على قائمة الدخل والمركز المالي. ويتضمن ذلك اختيار أساس محدد للقياس" [12]. وعرف القياس المحاسبي بأنه "قرن الاعداد بالأشياء للتعبير عن خصائصها، وذلك بناءً على قواعد طبيعية يتم انتاجها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة" [13]. وعرفت جمعية المحاسبين الامريكية (AAA) ايضاً القياس كالآتي "يتمثل القياس المحاسبي في قرن الاعداد بأحداث المنشأة الماضية والجارية والمستقبلية وذلك بناءً لملاحظات ماضية أو خارجية وبموجب قواعد محددة" [14]. والقياس المحاسبي ما هو الا تعبير كمي ونقدى للظواهر والاحداث والوقائع المالية والاقتصادية الخاصة بمنشاة معينة وعرضها في صورة واضحة ومفهومة  [15]. وعرفت لجنة معايير المحاسبة الدولية (IASC) القياس بأنه عملية تحديد القيم النقدية للعناصر التي سوف يعترف بها في القوائم المالية وهذا يتطلب اختيار أساس معين للقياس، ويتم استخدام أسس مختلفة للقياس مثل التكلفة التاريخية، التكلفة الجارية، القيمة القابلة للتحقق، القيمة الحالية [16].
             ويعرف مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكية (FASB) القياس المحاسبي بأنه "عبارة عن تخصيص أرقام للأشياء أو الأحداث وفقا لقواعد محددة، كما انه عملية مقارنة دف إلى الحصول على معلومات دقيقة للتميز بين بديل وآخر في حالة  اتخاذ القرار" [17].
             ويرى أحد الكتاب أن القياس "هو عملية مقابلة يتم من خلالها قرن خاصية معينة هي خاصية التعدد النقدي لشيء معين هو  حدث اقتصادي يتمثل فيها بعنصر معين في مجال معين هو المشروع الاقتصادي" [18].
             وعرف البعض القياس المحاسبي بأنه "عملية بمقتضاها تستطيع إدارة المنشأة أن تتعرف على أثر الأحداث الاقتصادية والأنشطة الإنتاجية التي تمت خلال الفترة السابقة على مركز المنشأة المالي وحقوق ملاكها"[19].
 ويمكن القول أن القياس المحاسبي ليس هدف في حد ذاته، انما هو وسيلة لتحقيق الهدف المتمثل في توفير معلومات محاسبية تعبر تعبيرا صادقا عن الظواهر المالية محل القياس. ويتضح ايضا مما سبق أن القياس في المحاسبة يعنى تحديد قيمة للأشياء والاحداث المتعلقة بالمنشاة. وأنه لا يعنى قياس الاحداث نفسها وانما يتم قياسها من خلال خواصها وسماتها. وأنه وظيفة نتبع فيها مجموعة من الاجراءات والقواعد المعينة، وان الهدف من مخرجات عملية القياس هو توفير معلومات ملائمة لمستخدمي القوائم المالية والمستفيدين منها  من خلال مخرجات هذه القوائم . وعرف Hendriksen (1982,p.130) القياس المحاسبي في كتابه النظرية المحاسبية   Accounting theory بأنه تحديد القيم العددية للأشياء أو الاحداث الخاصة بالمنشاة، وان هذه القيم تحدد بطريقة تجعلها ملائمة للمجتمع مثل مجموع قيم الموجودات او التجزئة حسب ما يتطلبه الظرف [20]. ويمكن تعريف القياس المحاسبي أيضا بأنه "عملية تطوير أي عنصر معلوماتي يدخل في نطاق التقارير المالية ""The process of developing any informational item which is placed within scope of a financial reports".، وفي هذا المجال فإن القياس المحاسبي المعاصر يمتد الى أكثر من كونه يمثل التقييم التقليدي [21].
أمَا أكثر التعريفات تحديدا لعملية القياس فهو: "إن عملية القياس بشكل عام هي عملية التعبير عن خاصية ما أو مجموعة خصائص لموضوع القياس بأساليب القياس، فالقياس يقع على موضوع ويستخدم في عملية القياس أدوات المقاييس وتتبع أساليب القياس في استخدام هذه المقاييس وذلك بغية الوصول إلى الهدف المرغوب من عملية القياس" [22].
من خلال استعراض التعريفات السابقة يمكن الخروج بمفهوم مبسط لعملية القياس المحاسبية حيث يمكن تعريف القياس المحاسبي بأنه" عملية القياس المحاسبية بالمفهوم العلمي، هي عملية مقابلة يتم من خلالها قرن خاصية معينة هي خاصية التعدد النقدي، لشيء معين مع حدث اقتصادي يتمثل فيها بعنصر معين في مجال معين هي المشروع الاقتصادي، بعنصر آخر محدد هو عدد حقيقي، في مجال آخر هو نظام الأعداد الحقيقية، وذلك باستخدام مقياس معين هي وحدة النقد وبموجب قواعد اقتران معينة هي قواعد الاحتساب" [23].
تقييم الأداء
            يتضح من استعراضنا لمفهوم القياس المحاسبي أن عملية القياس تسبق عملية التقييم، حيث يوفر القياس بيانات كمية ومعايير رقمية للمقارنة والتسجيل، يستند اليها في عملية التقييم الشاملة لموضوع التقييم؛ تستخدم فيها عدة مؤشرات للقياس Key Performance Indicators يتم اختيارها وربطها بدقة بالعوامل الجوهرية التي تساعد المنظمة على تحقيق أهدافها، وتقوم على قياس النتائج النهائية، فعندما لا توجد نتائج لا توجد قياسات، ولكن من الممكن ان يكون هناك تقييم للأنشطة والعمليات وكيفية سيرها، وتقييم لأداء الأفراد العاملين في المنشاة، وهناك طرق تقليدية واخرى حديثة لذلك. ايضا يعتبر تقييم الأداء الاقتصادي من العوامل المهمة التي يتوقف عليها نجاح أي وحدة اقتصادية لتحقيق أهدافها وتحقيق الكفاءة اللازمة في استخدام الموارد الاقتصادية، ولابد لعملية قياس الأداء أن تكون مستمرة يتم من خلالها  تصحيح الاخطاء وتعزيز قدرات الوحدات الاقتصادية، مما يعينها على الاستمرار والمساهمة الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
             يرى الباحث من خلال تعدد تعاريف قياس وتقييم الأداء، أن تقييم الأداء هو اصدار حكم على مدى تحسن وتطور الجوانب التفصيلية لأداء معين وبيان الانحرافات التي تظهر نتيجة للتقييم، واصدار حكم على مدى الفعالية والتقدم والتحسن في مستوى الأداء، أما القياس هو تكوين رأي على مدى تحسن الأنشطة والعمليات الدافعة للأداء، وقياس مدى تحقق الأهداف، والرقابة والرصد بعد الحصول على النتائج الكمية وتحديد المعايير الرقمية.    





[2] محمد عطية مطر وآخرون، نظرية المحاسبة واقتصاد المعلومات: الإطار الفكري وتطبيقاته العملية، (عمان: دار حنين للنشر والتوزيع, ط ،1996م)، ص97-98
[5]  ibid.
[7] سامر معروف، الاتجاهات الحديثة في قياس موضوعية أساليب تقييم الموارد البشرية من خلال منظور رياضي،(جامعة الامارات العربية المتحدة، مجلة العلوم الادارية والسياسية، العدد 2،1986) ص81
[8]  حسين القاضي ومأمون توفيق، مرجع سابق، ص247
[9] حسين يوسف القاضي، سمير معذى الريشاني، موسوعة المعايير المحابية الدولية: معايير إعداد التقارير المالية الدولية- عرض القوائم المالية،(عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع،ط1، 2012م) ص87
[10] A Statement of Basic Accounting Theory, American Accounting Association, AAA (1966), p. 1.
[11] عباس مهدي الشيرازي، نظرية المحاسبة، (الكويت: دار السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1990م)، ص 62
[12] معايير المحاسبية الدولية1999م، مرجع سابق، ص 62
[13] وليد ناجي الحيالي، دراسات في المشاكل المحاسبية المعاصرة (عمان:دار مكتبة الحامد،،ط1 ،2002م)،ص 152
[14] ابراهيم خليل حيدر، مشكلات القياس المحاسبي الناجمة عن التضخم وأثرها على استبدال الأصول،(مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة، العدد 21، 2009م)، ص105-152
[15]  أحمد حلمي جمعة، المدخل السلوكي فى المحاسبة المالية،(القاهرة: دار صفاء للنشر والتوزيع،2007م)،ص28
[16] فضل كمال سالم، مدى أهمية القياس والافصاح المحاسبي عن تكلفة الموارد البشرية وأثره على اتخاذ القرارات المالية،( رسالة ماجستير، كلية التجارة بالجامعة الاسلامية غزة،2008م)، ص93
[17] ريشارد شرويد وآخرون، نظرية المحاسبة، ترجمة خالد على كاجيجي، (الرياض: دار المريخ، 2006م)، ص 185
[18] سيد عطا الله السيد، النظريات المحاسبية، (عمان: دار الراية للنشر والتوزيع،ط1 ،2009م)، ص 181
[19] أحمد الخطيب، المحاسبة أداة إدارية لاتخاذ القرارات،(القاهرة: مكتبة عين شمس، 2004م)، ص 74
[20] بكر إبراهيم محمود، الإفصاح الإعلامي وأثره على وظيفة القياس المحاسبي في العراق، (بغداد: الجامعة المستنصرية: المجلة العراقية للعلوم الاقتصادية،العدد71،2008)، ص7
[21] محمد السيد الناغي، مرجع سابق، ص271
[22] مطر محمد وموسى السويطي، التأصيل النظري للممارسات المهنية المحاسبية، (عمان: دار وائل للنشر، ط2 ،2008م)، ص130
[23] محمد عطية مطر وآخرون، مرجع سابق، ص 100-101

أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي

د. عمر محجوب محمد الحسين https://sudanile.com/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%...