الخميس، 1 أغسطس 2019

قياس الأداء

د. عمر محجوب محمد الحسين

مفهوم قياس الأداء

لعملية قياس الأداء المؤسسي أهمية بالغة في عالم اليوم الذى يتميز بالمنافسة الشديدة، عموما تهدف عملية قياس الأداء إلى تحسين وتطوير الأداء في المنظمات من خلال الانتقال والارتقاء بعمليات الرقابة من مستوى البحث عن الأخطاء وتصويبها إلى مستوى دراسة النشاط بصورة شاملة لمعرفة مستوى تحقيق الأهداف، ومدى استناد الادارة على أسس وقواعد الكفاءة وإعمال أقصى معايير الترشيد والتدبير للموارد المتاحة، من حيث التنظيم والتشغيل بهدف الوصول إلي النتائج المرجوة، مع بيان الانحرافات التي تظهر من نتائج التقييم  ومعوقات انجاز العمل، ودراسة أسبابها من ثم الوصول إلي الطرق والوسائل الكفيلة بعلاجها وتصحيحها وتجنب تكرارها، والحرص على عدم استمرار تلك الأسباب من خلال تطوير وسائل وطرق أداء العمل [i].  
وتختلف أيضا أهداف عملية التقييم والقياس للأداء حسب توقعات المستفيدين من تقارير الأداء وهم متعددون لكل منهم متطلباته ومصالحه الذاتية، فمنهم إدارة المنشأة ومتخذي القرارات خارج المؤسسة الذين لهم مصالح مباشرة بالمؤسسة مثل المستثمرون والمقرضون ومتخذي القرارات ممن لهم مصالح غير مباشرة، هذا التنوع لم يؤثر على مفهوم وتعريف عملية التقييم [ii].
أما في البيئة المصرفية فيمكن أن يعرف التقييم بأنه" عملية تأكيد وتحقق من أن الموارد المتاحة للبنك قد استخدمت بشكل كفء " [iii]. أيضا يعرف بأنه هو " عملية شاملة تستخدم فيها جميع البيانات، المحاسبية وغيرها، للوقوف على الحالة المالية للمصرف، وتحديد الكيفية التي أديرت بها موارده خلال فترة زمنية معينة " أيضا هو " تشخيص لنقاط القوة ونقاط الضعف، بحيث يساهم هذا التشخيص في بناء وصياغة مخطط قرارات إدارة أصول وخصوم البنك " [iv].
أما قياس الأداءPerformance Measurement (PM)  فيعرف بأنه عملية اكتشاف وتحسين تلك الأنشطة والعمليات التي تؤثر على ربحية المنظمة كمحصلة نهائية لتلك العمليات والأنشطة، وذلك من خلال مجموعة من المؤشرات ترتبط بأداء المنظمة في الماضي والمستقبل بهدف تقييم مدى تحقيق المنظمة لأهدافها المحددة  في الوقت الحاضر [v].
           ويعرف قياس الأداء طبقا لـ (U.S. General Accounting Office)  بأنه " المراقبة ]الرصد[ المستمرة لإنجازات برامج المنظمة وتسجيلها، لاسيما مراقبة وتسجيل جوانب سير التقدم [العمليات (الأنشطة)، والمخرجات (الخدمات والمنتجات)، والنتائج (المنتجات والخدمات)] نحو تحقيق غايات موضوعة مسبقا " [vi].
     ان قياس الأداء هو عبارة عن تقييم مدى تحقق الأهداف المحددة، لذلك فهو يمكن أن يكون [vii]:
                         أ‌-        قياس مالي معبرا عنه بوحدات النقد أو لديه علاقة بالجوانب المالية المتمثلة في الارباح وما يتعلق بها من المبيعات وحصص السوق.
                       ب‌-      قياس غير مالي معبرا عنه بوحدات غير مالية، مثل رضا العملاء، ووضع المنتج من الناحية التسويقية، وعمليات الانتاج والتسليم، وخدمة ما بعد البيع وغيرها من العمليات.
وفى الواقع يصعب اختيار معيار المقياس، حيث أن كل معيار منفردا غير كاف لقياس الأداء بشكل كامل سواء بالنسبة لمعايير قياس الجوانب المالية وغير المالية، لذلك يجب المزج بين المعيارين لتقييم أداء المنشآت من خلال الآتي [viii]:
                    أ‌-     تقييم الظروف الاقتصادية المحيطة بالمنشأة.
                  ب‌-      تقييم درجة المنافسة وحدتها بالاعتماد على المزايا التنافسية من سعر وجودة ونوع الخدمة المقدمة.
                  ت‌-      تقييم سرعة  تصميم  المنتج وعرضه في الوقت المناسب بالسوق ، كما يحدث في الصناعة المصرفية.
                  ث‌-      تقييم سرعة تلبية طلبات العملاء وتحقيق تطلعاتهم.
وعملية تقييم الأداء تختلف عادة حسب توقعات المستفيدين من تقارير الأداء ولكن عموما تسعى إدارات المصارف إلي [ix]:
أ‌-         قياس المخاطر التي تواجهها، وحدود هذه المخاطر من اجل تحقيق معدل الفائدة المقبول لمواجهة التغيرات والعوامل الخارجية.
ب‌-     مراجعة الأداء الماضي من خلال التقييم للأحداث السابقة من اجل إحداث تغيير في طرق التخطيط لمجابهة تحديات المستقبل.
ويفيد أيضا تقييم الأداء المصرفي في تحديد [x]:
                         أ‌-        مدى الفعالية في انجاز الأعمال وتحقيق الأهداف.
                       ب‌-     مدى الكفاءة في استخدام الموارد المتاحة للبنك.
                       ت‌-      مدى التقدم والتحسن في مستوى الأداء وتطور المنافسة.
من هذا العرض لمفهوم الأداء وقياسه يستخلص الباحث أن عملية التقييم تسبق عملية القياس، فتقييم الأداء من الوظائف الرئيسية لإدارة الموارد وهذا يفسر تعدد تعريفاتها وهي عملية دورية لقياس نقاط ضعف وقوة النظام؛ اما عملية قياس الأداء تلى عملية التقييم وتستخدم فيها عدة مؤشرات للقياس Key Performance Indicators يتم اختيارها وربطها بدقة بالعوامل الجوهرية التي تساعد المنظمة على تحقيق أهدافها. 

أهمية قياس الأداء

 تعتبر عمليّة قياس الأداء ذات أهميّة بالغة في المنظمة نظرا لما توفّره من معلومات تساعد في تشخيص وضعيتها، وتمكينها من تكوين نظرة صحيحة عن مستقبلها العملي، وفيما يلي مجموع الفوائد المتأتيّة من تقيّيم الأداء [xi]:  
1-      توفر عملية قياس الأداء معلومات حقيقية للمستويات الإدارية المختلفة داخل المؤسسة، لأغراض التخطيط والرقابة واتخاذ القرارات.
2-      توفر عملية قياس الأداء مقياسا ومؤشراً  فعلياً لمدى نجاح المؤسسة في سعيها لتحقيق أهدافها من خلال نشاطها؛ وايضاحات حول سير تنفيذ البرامج.
3-      متابعة قياس الأداء يسهم في تحسين جدودة المنتجات والخدمات ويبين مواطن الخلل.
4-      تزفر عملية القياس بيانات مهمة تبين للمؤسسة ما يجب الاهتمام به، وما يتطلبه ذلك من موارد واجراءات ادارية لازمة لتحقيق الاهداف والنجاح.   
5-      تبين عملية قياس الأداء بصورة واضحة مدى التقدم الذى تحقق، وهذا يعتبر مؤشراً حول اتجاه الشركة أو المؤسسة صعوداً او نزولاً  لمؤشر النجاح.
6-      تعكس عملية تقييم الأداء درجة التوافق والانسجام بين الأهداف والاستراتيجيات المعتمدة لتنفيذها وعلاقتها بالبيئة التنافسية للمؤسسة؛ وتوفر بيئة تنافسية بين الادارات والاقسام.
7-      توضح نتائج عملية قياس الأداء المركز التنافسي للمؤسسة في إطار البيئة التي تعمل فيها، ومتطلبات والإجراءات المطلوبة لتحسين مركزها التنافسي.
8-      يبين قياس الاداء نواحي القصور والضعف والقوة في اقسام وادارات المؤسسة، مما يمكن ويساعد الادارة في وضع الخطط التنظيمية وتحدب أهدافها.
9-      تمكين المؤسسة من الاستغلال الأمثل لمواردها.
10-   يمكن تقييم الأداء من خلال ثلاث أبعاد أساسية وهي رد فعل ؛ المخاطر؛ العوائد، رد فعل الأطراف ذوي المصلحة.

أدوات قياس الأداء

           توجد العديد من الأدوات التي تستخدم في تقييم وقياس الأداء، وهى ما اصطلح عليه بمؤشرات تقييم وقياس الأداء؛ والمؤشرات هي عبارة عن علاقات يمكن الاستفادة منها في تقييم وقياس نتائج النشاطات الكلية للمنظمة بما في ذلك النشاط الداخلي، والمؤشر هو عامل أو متغير كمي أو نوعي يوفر وسيلة سهلة موثوقة لقياس الإنجاز أو للكشف عن التغيرات المرتبطة به حيث يكون لكل مؤشر مقياس أو معدل ومدلول، كما يتضمن المؤشر مدى معيناً للأداء الفعلي يظهر أي انحراف عند حدوثه، وفيما يلي أهم هذه المؤشرات والمقاييس التي يرتكز عليها تقييم الأداء [xii]:
أولاً: مقاييس الكفاءة: ويقصد بها قدرة المنظمة على استخدام وتوظيف الموارد المادية والبشرية المتاحة لتحقيق الأداء المنشود. ومثل اصحاب المدرسة الكلاسيكية  المتمثلة في حركة الادارة العلمية من أمثال فرديريك تايلور، وفرانك جلبرت، وهارنجتون ايمرسون، أهم مساهمة في نشر مفهوم الكفاءة؛ بالإضافة الى هنري جانت مبتكر خرائط جانت التي وفرت للإدارة والعاملين امكانية مقارنة الاداء الفعلي بالأداء المطلوب [xiii].
والكفاءة من وجهة نظر الإدارة  "هي النظام القادر علي تخفيض تكاليف الموارد اللازمة لإنجاز الأهداف المحددة والمرغوبة دون التضحية بمخرجات النظام " بمعني أنها القدرة علي أداء الأشياء بطريقة صحيحة, ومن ثم  فهي تعتمد علي مفهوم المدخلات والمخرجات فالنظام الكفء هو الذي  يتمكن من تحقيق مخرجات تفوق المدخلات المستخدمة" [xiv].
ثانياً: مقاييس الفعالية: ويقصد به مستوى تحقيق الإدارة للأهداف التي حددتها، طبقا لمعايير تم تحديدها مسبقا، وتوصف المنشأة التي تحقق أهدافها بأنها منشاة فعالة.
ويمكن تعريف الفعالية التنظيمية بأنها " قدرة التنظيم على تحقيق الأهداف طويلة وقصيرة المدى والتي تعكس موازين القوى للجهات ذات التأثير ومصالح الجهات المعنية بالتقييم ومرحلة النمو أو التطور التي يمر بها التنظيم" [xv].
ثالثاً: مقاييس المسؤولية الاجتماعية: وهي المقاييس المتعلقة باهتمامات المنظمة بالمجتمع والبيئة ودمجها مع اهتماماتها بأصحاب المصلحة والعملاء بشكل طوعي من خلال الأسواق المستهدفة. وهذا المقياس يمثل مدرسة العلاقات الانسانية التي يتأثر فيها مستوى الكفاءة تأثرا كبيرا بالروح الاجتماعية والظروف الانسانية السائدة اكثر من تأثره بالبيئة والظروف المادية السائدة.
رابعاً: المؤشرات المالية: وهي تلك المؤشرات التي تعتمد في حسابها على المعلومات المالية والمحاسبية مثل، العائد على الأصول، والعائد على حقوق الملكية، والقيمة الاقتصادية المضافة وغيرها. وتتميز هذه المؤشرات بسهولة حسابها، وتصور النتائج بوحدة قياس قابلة للمقارنة؛ ولكن يؤخذ عليها أنها مؤشرات تاريخية فهي تمثل النتائج المالية لأنشطة فترات سابقة، ولا تقدم للمديرين المعلومات الضرورية التي تساعدهم على إدراك عوامل نجاح المنظمة، كما أنها لا تحفز المهارات ولا تسهم في إدارة الإبداع والتميز، كما أن اختلاف طرق حساب هذه المؤشرات والمقاييس يؤثر على دلالتها.

أدوات قياس الأداء التقليدية

1- التحليل المالي: المفهوم والأهداف

     بصفة عامة يعد التحليل المالي دراسة تحليلية وانتقادية لكافة بنود أو عناصر القوائم المالية باستخدام الأساليب المتنوعة للتحليل، كما أشار (Leopold) إلى أن مفهوم التحليل المالي التقليدي" ينصب على تحليل القوائم المالية بهدف تقييم المركز المالي للمشروع ونتيجة أعماله في الفترات السابقة من أجل الوصول إلي أفضل تقدير لوضعه وأدائه في الحاضر والمستقبل"، وقد أشار (Lev) أن التحليل المالي للقوائم المالية هو "عملية إجرائية لنظام المعلومات المحاسبي تهدف إلي تقديم المعلومات المالية من واقع القوائم المالية المنشورة ومعلومات أخرى مالية وغير مالية عن سوق الأوراق المالية والاقتصاد الكلي وذلك لمساعدة المستفيدين منها على اتخاذ قراراتهم الاقتصادية "، وأشار (Foster) إلي أن تحليل القوائم المالية يشمل دراسة العلاقة بين مجموعة من عناصر القوائم المالية في فترة معينة وكذلك دراسة اتجاه هذه العلاقة في الفترة التالية [xvi].
            كذلك فإن التحليل المالي يسهم في ترشيد القرارات والخطط بالإضافة إلى تقييم أداء هذه المؤسسات، وهو يتضمن عملية تفسير القوائم المالية وفهمها وتحليلها؛ فهذه القوائم هي مخرجات للنظام المحاسبي ونهاية دورته المحاسبية وفي نفس الوقت هي مدخلات عملية التحليل المالي؛ لذا فأن صحة القياس المحاسبي وكفاية الإفصاح المحاسبي وملاءمته هما شرطان لضمان عملية التحليل المالي السليم [xvii].
            من خلال استخدام آليات التحليل المالي وعلاقته بالقوائم المالية ظهرت عدة تعريفات للتحليل المالي من أهمها ما يلي:
" The judgmental process which aims to evaluate the current and past financial positions and the results of operations of enterprise, with the primary objective of determining the best possible estimate and predications about future conditions and performance".
ويتضح من هذا التعريف أن التحليل المالي للقوائم المالية هو عملية تقدير شخصي للقائم بالتحليل، وان الغرض من التحليل هو تقييم الوضع المالي الماضي والحاضر لمنشاة معينة ونتائج عملياتها، وان الهدف الأساسي للتحليل هو التوصل إلي أفضل تقديرات وتنبؤات ممكنة عن أداء الشركة وأحوالها في المستقبل [xviii].
ويعرف أيضا بـ " التحليل المالي يتضمن عملية تفسير القوائم المالية المنشورة وفهمها في ضوء الإدراك التام لكيفية إعدادها والأسس التي تم في ضوئها القياس المحاسبي والتوصيل المحاسبي" [xix].
كما يعرف التحليل المالي أو التحليل المحاسبي Financial Accounting Analysis  "بأنه عملية منظمة لإخضاع محتويات القوائم المالية للدراسة، بهدف بلورتها وتوضيح مدلولاتها وتركيز الاهتمام على الحقائق التي قد تكون مختفية وراء زحمة الأرقام، بما يفيد في ترشيد قرارات مستخدمي القوائم المالية " [xx].
والتحليل المالي هو "وسيلة فعالة لمعرفة طبيعة الارتباطات والعلاقات القائمة بين عناصر المشروع المختلفة ومفردات أصوله ومفردات خصومه وإيراداته ومصروفاته" [xxi].
والتحليل المالي هو " فحص القوائم المالية والبيانات المنشورة لمنشآت معينة عن فترة أو فترات ماضية بقصد تقديم معلومات تفيد في معرفة مدى تقدم المنشأة خلال فترة الدراسة والتنبؤ بنتائج أعمال ونشاط المنشأة عن فترات معينة، ولا يسمح للمحلل المالي بالحصول على البيانات الداخلية غير المنشورة" [xxii].
ويعرف التحليل المالي بأنه "عملية معالجة البيانات المالية المتاحة في مؤسسة ما لأجل الحصول منها على معلومات تستعمل في عملية اتخاذ القرارات وفي تقييم أداء المؤسسات التجارية والصناعية في الماضي والحاضر وكذلك في تشخيص أية مشكلة موجودة (مالية أو تشغيلية) وتوقع ما سيكون عليه الوضع في المستقبل"[xxiii].
يرى الباحث أن التعريف الأخير يعتبر أفضل التعاريف السابقة، رغم أنه من الافضل استعاضة كلمة معالجة بكلمة تحليل (حيث تستخدم كلمة معالجة للمواد الأولية، وفي الطب، ومعالجة الحواسيب للبيانات). حيث أن التعريف ربط المعلومات التي يتم الحصول عليها بعملية اتخاذ القرارات، كما ربط التحليل بتقييم الأداء وتشخيص المشاكل والتنبؤ بالمستقبل.
في دراسة لمجمع معايير المحاسبة المالية (FASB) عن معيار الأهمية النسبية توصل فيها إلي أن التحليل المالي للقوائم المالية كجزء مكمل للتحليل الأساسي للاستثمار يستخدم كأساس للتنبؤ بالنتائج المستقبلية وإجراء المقارنات وتقييم المخاطر والعائد من فرص الاستثمار المتوفرة، وان التحليل المالي لا تنتهي أغراضه بتركيزه على نتائج المشروع من الربحية والسيولة ودرجة التركيب الرأسمالي؛ بل يأخذ في الاعتبار مدى قدرة المشروع على تحقيق الأرباح في المستقبل. بالتالي فأن أهم استعمالات التحليل المالي يمكن أن توجز في التالي[xxiv]:
                                  أ‌-          التخطيط المالي.
                                ب‌-        وضع التنبؤات المالية المستقبلية.
                                ت‌-        قياس ربح المنشأة والسيولة.
                                ث‌-        الرقابة المالية.
                                 ج‌-         تقييم كفاءة الإدارة.
                                 ح‌-         بيان مدى نجاح المنشأة في تحقيق اهدافها.
إن لتطور بيئة الأعمال المتجدد اثراً على تطور التحليل المالي؛ فلم يعد التحليل المالي فقط على القوائم المالية وتفسيرها بل تعدى ذلك إلي تحليل السياسات والخطط، ودراسة المعلومات المحاسبية وغير المحاسبية المرتبطة بالقوائم المالية وغير المرتبطة بها كالمعلومات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية وهذا يؤدى إلي التحقق من الارتباط بين عناصر القوائم المالية وتغيرات بيئة الأعمال مما يساعد على توفير إجابات موضوعية متفاعلة مع الأرقام والسياسات والخطط والمعايير وبالتالي المستخدمين. أما تقويم الأداء وقياسه وفحص النظم إنما يهدف إلي التأكد من صحة كفاءة عملية تسيير المؤسسة وكفاءة استخدام واستغلال الموارد المتاحة سواء كانت مادية أو بشرية والتأكد من مقدرة المنشأة على تحقيق أهدافها الموضوعة وقدرتها على تحقيق الأرباح ومجابهة الأخطار ومدى إمكانية استمرارها [xxv].
يجدر بالذكر انه من حيث المعنى لم يعد التحليل المالي يعنى فقط دراسة تحليلية انتقاديه مفصلة للقوائم المالية بل هو اليوم "دراسة تحليلية انتقادية مفصلة للقوائم المالية ولكمية ضخمة ومتنوعة من المعلومات المفيدة والملائمة والضرورية المرتبطة بشكل مباشر وغير مباشر بالمنشأة بالإضافة لتحليل السياسات والخطط والأهداف والمعايير" [xxvi]

2-  تطور التحليل المالي كأداة للقياس

 مع ازدياد انتشار الشركات المساهمة وانفصال الإدارة عن الملكية بدأ الاهتمام واضحا بالتحليل المالي مع بدايات القرن الماضي على أساس أن التحليل يوجه في الغالب إلي مصادر التمويل طويل الأجل. ولكن مع تعاظم دور المصارف ودخولها كممول رئيس في تقديم التسهيلات الائتمانية أصبحت الميزانية وبياناتها هي الأساس في اتخاذ قرار منح التسهيلات الائتمانية، ويرجع ذلك إلي عام 1895م عندما أقر المجلس التنفيذي لجمعية مصرفيي ولاية نيويورك التوصية إلى أعضاء هذه الجمعية بأن يطلبوا من المقترضين الذين يتقدمون إلي المؤسسات التي يتبعون لها أن يزودوهم ببيانات حول الأصول والالتزامات الخاصة بهم وذلك في إطار الصيغة التي أوصت بها لجنة البيانات الموحدة للمجموعات المختلفة. ومنذ تلك الفترة أوصى كبار المصرفيين باستخدام البيانات المالية لأغراض منح التسهيلات الائتمانية، وتبع ذلك التوجيه الأول بضرورة تحليل هذه البيانات؛ وكان ذلك في عام 1906م، وإجراء التحليل بصورة شاملة للبيانات عن طريق الدراسة والمقارنة لمعرفة نقاط الضعف والقوة في تلك البيانات مما أدى إلي اعتماد القياس الكمي بواسطة النسب في عام 1908م.
أيضا كان لأزمة الكساد العالمي خلال الفترة 1929م-1933م (وهي الفترة المسماة بالكساد الكبير الذي ساد الولايات المتحدة الأمريكية)، والتي أدت إلي إفلاس عدد كبير من الشركات حول العالم، وأدى ذلك إلى ظهور عمليات الغش والخداع على أثر انهيار بعض المؤسسات. ونتيجة لذلك وجه الاهتمام نحو التحليل المالي في اتجاهين؛ الاتجاه الأول دراسة سيولة المنشآت حيث أن معظم الشركات التي أعلنت إفلاسها كانت تعانى من نقص السيولة لديها. والاتجاه الثاني كان وضع الربحية والمقدرة التنافسية وهذا أدى إلي الاهتمام بقائمة الدخل وأصبح الاهتمام بها يفوق الاهتمام بقائمة المركز المالي (الميزانية). وبعد الحرب العالمية الثانية وظهور فقاعات التضخم المالي وارتفاع الأسعار وتأثير ذلك على قائمة المركز المالي بشكل واضح ازداد الاهتمام بشكل متزايد بقائمة المركز المالي إلي جانب الاهتمام بقائمة الدخل. وحاليا لم يعد هناك اهتمام بقائمة دون الأخرى بل أصبح الاهتمام شاملا بالقوائم والتقارير المالية مع تنامي استخدام الحاسوب وكفاءة نتائج التحليل، وأصبح مسار التحليل المالي يحدد حسب الهدف من المعلومات المرغوب فيها، وبذلك أضحت كل البيانات المحاسبية هي ضرورية لعملية التحليل المالي حيث انه يساعد في تقييم الأداء ويساعد في التخطيط المستقبلي والاستراتيجي ويعمل على الرقابة والسيطرة في ظروف عدم التأكد [xxvii].  

3-  أساليب واتجاهات التحليل المالي

يمكن أن نحدد مفهوم واتجاهات أو مداخل وأساليب التحليل بأنها مجموعة من الوسائل والطرق الفنية والأساليب التي تستخدم من جانب المحلل المالي بغرض الوصول إلي تقييم نشاطات ونقاط ضعفها وقوتها، وتوقع ما سوف تكون عليه نتائج أعمال المؤسسة في المستقبل من خلال تحليل عملياتها المالية والتشغيلية مما يمكن من إجراء المقارنات والاستنتاجات المهمة لعملية التقييم [xxviii]. ويمكن التمييز بين عدة أنواع من أدوات التحليل المالي وهي:

اولاً:  تحليل التغير والاتجاه  Analysis of change and trend 

تحليل التغير والاتجاه يعتمد فيه المحلل على القوائم المالية في إجراء التحليل اللازم للحصول على المعلومات الضرورية للمستخدمين، وتعتمد هذه المعلومات على دقة وصحة البيانات المالية الظاهرة في القوائم المالية [xxix]، وهذا التحليل يشمل نوعين هما: تحليل مالي رأسي أو ما يسمى بالتوزيع النسبي Vertical Analysis، وتحليل أفقي Horizontal Analysis. وكما ذكرنا أيضا فيتخذ هذا التحليل شكلين:
التحليل الرأسي: وهو التحليل القائم على أساس المقارنة بين الأرقام الواردة في القوائم المالية في نفس الفترة، مثل مقارنة صافي الربح مع المبيعات، أي أن إظهار الوزن النسبي لكل عنصر من العناصر في الميزانية إلي مجموع الميزانية أو المجموعة التي ينتمي إليها العنصر، وهذا التحليل لا يوفر بمفرده مؤشراً على مدى قوة أو ضعف العناصر تحت الدراسة والتحليل، ويتصف هذا النوع من التحليل أيضا بالسكون لغياب البعد الزمني عنه، حيث يركز على دراسة العلاقات الكمية القائمة بين العناصر المختلفة للقوائم المالية بتاريخ معين [xxx].
التحليل الأفقي: ويتم هذا التحليل من خلال إجراء مقارنة بين عناصر الميزانية أو قائمة الدخل على مدار سنتين متتاليتين أو عدة فترات زمنية ولذلك يسمى بالتحليل المتحرك (Moving Analysis) وهو أفضل من التحليل الراسي، حيث يتم التركيز على معرفة اتجاه تطور عناصر القوائم المالية ولذلك يسمى أيضا بتحليل الاتجاه (Trend Analysis )، ولهذا يتصف بالديناميكية لأنه يبين التغيرات التي تمت بمرور الزمن بعكس التحليل الرأسي الذي يقتصر على فترة زمنية واحدة [xxxi]. ويعتمد في هذا التحليل على ما يلي [xxxii]:
التعرف على سلوك عناصر القوائم المالية خلال فترات متعددة.
اتخاذ القرارات المناسبة ومعالجة أسباب التغير التي تم اكتشافها.

ثانياً: تحليل النسب المحاسبية Analysis of Accounting Ratios

تحليل النسب من أقدم أدوات التحليل المالي وأهمها إذ يعود تاريخه إلي منتصف القرن التاسع عشر، وهو يهتم بدراسة العناصر الواردة في القوائم المالية والتقارير المحاسبية الأخرى بهدف الوصول إلي دلالات ذات مغزى لاتجاهات عناصر القوائم المالية، وأيضا هو دراسة العلاقة بين متغيرين احدهما يمثل البسط والآخر يمثل المقام أي دراسة بين عنصر أو عدة عناصر أخرى [xxxiii]. التحليل المالي بالنسب والمؤشرات المالية هو أحد الأساليب الفنية التي يعتمد عليها في التحليل المالي للقوائم المالية، وتعبر عن مدى كفاءة البنك في استخدام وادارة أصوله وموارده المالية، كما أنها تبين العلاقة بين الاستثمار في عناصر الأصول والايرادات المحققة. وسوف نتناول بإيجاز مفهوم أسلوب النسب والمؤشرات المالية، والاعتبارات التي يجب مراعاتها عند الاعتماد على هذا الأسلوب لأغراض التحليل المالي. ويقصد بالنسبة علاقة لها دلالتها بين متغيرين أو رقمين يمثل أحدهما البسط والآخر المقام. وتمثل النسبة الأهمية النسبية لأحد الأرقام بالنسبة للرقم الآخر، وقد تكون كسراً عشرياً أو اعتياديأً أو نسبة مئوية، وبالقياس يقصد بالنسب المالية (المحاسبية) العلاقة التي تنشأ بين الأرقام الواردة في قائمة مالية معينة وبعضها البعض، أو بين تلك الأرقام وأرقام قوائم مالية أخرى بحيث توضح هذه النسب جوانب القوة والضعف في أداء المنشأة [xxxiv]. وهذا يعني أن فكرة النسب المالية تقوم على أن أي رقم من أرقام القوائم المالية لا يدل في حد ذاته على شيء مهم ولا يقدم معلومات مفيدة إلا إذا تم مقارنته بغيره من الأرقام.
ولا يعتبر التحليل بالنسب هدفا دون إيجاد العلاقة السببية للظواهر المراد دراستها، ولتحقيق هذا الهدف لابد من استخدام أدوات أخرى مصاحبة للنسب المالية، للوصول إلي تفسير منطقي مسبب؛ كإجراء مقارنة النسب مع المعايير المتاحة داخل المؤسسة أو خارجها [xxxv] . وفيما يلي سوف نستعرض مفهوم النسب والمؤشرات المالية وتصنيفها وتبويبها: 
أ-  مفهوم النسب والمؤشرات المالية
            النسب أو المؤشرات المالية هي تعبير حسابي بسيط بين قيمة بند معين وقيمة بند آخر من بنود القوائم المالية يمثل احدهما البسط والآخر المقام. ويسمح ذلك بقياس العلاقة بين قيمتان مختلفتان، واختيار هذه القيم يعتمد على وجود علاقة منطقية بينها في النسبة أو المؤشر [xxxvi]. ويمكن أيضا تعريفها بأنها "علاقة بين متغيرين احدهما يمثل البسط ولآخر يمثل المقام. وهذه العلاقة لها دلالتها التي تكشف نقاط الضعف أو نقاط القوة في الجوانب المختلفة بالمنشأة" [xxxvii].
والنسب المالية من أقدم واهم أدوات التحليل المالي وأوسعها انتشارا، وهي عديدة ومتداخلة ولابد من اختيار النسبة التي تلاءم الهدف المطلوب بدقة، وهناك أنواع متعددة من النسب المالية تختلف مسمياتها حسب تركيب النسبة المالية أو مصادر المعلومات التي تعتمد عليها وحسب نتيجة نشاط المؤسسة [xxxviii].
ب- تبويب وتصنيف النسب والمؤشرات المالية، يمكن تبويب النسب المالية مما يساعد في التعرف على أنواعها من خلال أكثر من طريقة للتبويب والتصنيف  ويمكن تصنيفها مثلا حسب:
1- حسب مصدر المعلومات أو العناصر إلي [xxxix]:
-          نسب الميزانية (قائمة المركز المالي).
-          النسب المالية لقائمة الدخل.
-          النسب المالية المختلطة وهي تتضمن عناصر مالية من القائمتين كنسبة صافي المبيعات إلي رأس المال المستثمر.
2- أيضا تصنف النسب على أساس نوع العلاقة المنسوبة إلي:
-          نسب مالية فعلية ويعتمد على دراسة عناصر القوائم المالية الفعلية خلال فترة حالية أو فترات مالية سابقة [xl].
-          نسب مالية معيارية، ويقصد بها معايير أو مؤشرات محدده تم التوصل إليها مسبقا عن طريق دراسة قوائم مالية لعدة فترات مالية ولعدد من الوحدات الاقتصادية؛ وعلى أسس علمية تبين حال كل نسبة وما يجب أن تكون عليه في المستقبل، مع الأخذ في الاعتبار ثبات ظرف إعداد هذه النسب المعيارية [xli]. والنسب المعيارية يمكن أن تكون [xlii]:نسب معيارية موضوعة عن طريق المنشأة قامت ببنائها على أساس الموازنات التخطيطية للمنشاة، والنسب المعيارية المستنبطة من منشآت مماثلة في النشاط، والنسب المعيارية الموضوعة للقطاع الاقتصادي الذي تعمل فيه المنشأة.  
ت- النسب البسيطة والمركبة [xliii]:
-          النسب البسيطة: وهي النسب التي تدرس العلاقة بين عنصرين من عناصر القوائم المالية.
-          النسب المركبة: وهي النسب التي تدرس العلاقة بين أكثر من نسبة من النسب المالية البسيطة.
وسعيا وراء تبسيط وتسهيل أسلوب التحليل بالنسب المالية قام العديد من الباحثين والكتاب بحصر وتحديد العديد من العلاقات المهمة ذات الدلالة التي يمكن الاستفادة منها في عملية التحليل المالي، وهي تنقسم إلي مجموعات تهدف إلي الوصول إلي نتائج معينة تساعد في تفسير نتائج التحليل المالي، وهى تنقسم إلي أربعة مجموعات هي:
1-      نسب الهيكل المالي.
2-      نسب السيولة.
3-      نسب الربحية.
4-      نسب معدل الدوران.
يرى الباحث من خلال عرض أدوات قياس الأداء المالية أن التركيز على قياس الأرباح من خلال الاساليب التقليدية معيب لأنه يغفل الأهداف التجارية والادارية الأخرى لإدارة أداء المنظمة، ففي مجال الاستثمار سوف تركز المنظمة على عائد الاستثمار دون النظر الى بيئة الاستثمار والمنافسين الآخرين، والتطور التكنولوجي، ويحضرنا هنا ما حدث لشركة الهواتف المحمولة (NOKIA) الفنلندية التي انهارت، ايضا ما حدث لشركة (SAMSONG) الكورية؛ فليس معنى تحقق الأرباح أن هناك نجاح سوف يستمر، فعلى الشركات التي تسعى الي الديمومة الاهتمام بمؤشرات الأداء غير التقليدية لقياس ادائها وعدم التركيز على نتائج الاداء المالي.




[i] عدنان كركور، سليمان الفارس، التقويم الإداري في المشروعات: تقويم المشاريع الجيدة والقائمة، (منشورات جامعة دمشق، 2000م)، ص 232
[ii] فلاح حسن عداي الحسيني، الإدارة الاستراتيجية: مفاهيمها، مداخلها، عملياتها المعاصرة، (عمان: دار وائل للنشر،ط1، 2000م)، ص 231
[iii] أبو الفتوح على فضالة، التحليل المالي وإدارة الأموال، (القاهرة: دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع،1999م)، ص23
[iv] Mona J. Gardner, Dixie L. MillsElizabeth Singleton Cooperman, Managing financial institutions, 2nd ed., Chicago: Dryden Press,1991, P.648
[v] Robert N. Anthony and Vijay Govindarajan, Management Control Systems, 9th Edition, (New York: MacGraw Hill,1998), P.461
[vi] خالد محمد بن حمدان، وائل محمد صبحي، الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي منهج معاصر، (عمان: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع،2007م)، ص389
[vii] خالد محمد بن حمدان، وائل محمد صبحي، الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي منهج معاصر، (عمان: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع،2007م)، ص389
[viii] المرجع السابق نفسه، ص 80
[ix] عبد الغفار حنفي، ادارة المصارف: السياسات المصرفية-تحليل القوائم المالية - الجوانب التنظيمية في البنوك التجارية  الإسلامية، (الاسكندرية:  دار الجامعة الجديدة للنشر، 2002م)، ص341-342
[x] طارق عبد العال حماد، تقييم أداء البنوك التجارية "تحليل العائد والمخاطرة"، (الاسكندرية: الدار الجامعية، ج1، 1999م)، ص 52
[xi] محمد طاهر الخلف وآخرون، الإدارة الاستراتيجية، (الجزائر: دار ألفا للوثائق، ط1، 2017م ص 237-239
[xii] حسين خشارمة، تقييم أداء شركات القطاع العام في الأردن من وجهة نظر الشركات نفسها والأجهزة المسئولة عنها، مجلة دراسات العلوم الإدارية، الجامعة الأردنية، م29،ع2 ، 2005م)، ص 297-304
[xiii] شوقي بو رقبة، مرجع سابق، ص 68
[xiv] ثابت عبد الرحمن إدريس، كفاءة وجودة الخدمات اللوجستية، (الاسكندرية: الدار الجامعية، 2002م)، ص 145
[xv] محمد قاسم القريوتي، نظرية المنظمة والتنظيم، (عمان:  دار وائل للنشر والتوزيع، 2000م)، ص 104
[xvi] هاني عبد الأمير الفيلي، إسماعيل على عباس، محاسبة البنوك، (الكويت: مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، ط1، 2000م)، ص 566
[xvii] صادق الحسيني، مرجع سابق، ص73
[xviii] خالد الراوي، التحليل المالي للقوائم المالية والإفصاح المحاسبي، (عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، ط1، 2000م)، ص 22-23
[xix] صادق الحسيني، التحليل المالي والمحاسبي: دراسة معاصرة في الأصول العلمية وتطبيقاتها، (عمان: مجدلاوى، ط1، 1998م)، ص9-11
[xx] احمد محمد زامل، المحاسبة الإدارية مع تطبيقات بالحاسب الآلي، (الرياض: معهد الإدارة العامة، مركز البحوث، ج2، 2000م)، ص 879
[xxi] هاني عبد الأمير الفيلي، إسماعيل على عباس، مرجع سايق، ص 567
[xxii] المرجع السابق نفسه. 
[xxiii] عبد الحليم كراجة وآخرون، الإدارة والتحليل المالي: أسس، مفاهيم، تطبيقات، (عمان: دار صفاء للنشر والتوزيع، ط1،2006م)، ص157
[xxiv] هاني عبد الأمير الفيلي، إسماعيل على عباس، مرجع سابق، ص 570
[xxv] صادق الحسيني، مرجع سابق، ص 75-76
[xxvi] المرجع نفسه، ص 74
[xxvii] منير شاكر محمد وآخرون، مرجع سابق، ص 10-11
[xxviii] المرجع نفسه، ص38
[xxix] المرجع نفسه.
[xxx] عبد الحليم كراجة وآخرون، مرجع سابق، ص188
[xxxi] منير شاكر محمد، مرجع سابق، ص 41
[xxxii] وليد ناجي الحيالي، محمد عثمان البطمة، التحليل المالي: الإطار النظري وتطبيقاته العملية، (بيروت: دار فلاح للنشر، عمان: دار حنين للنشر،ط1، 1996م)، ص35
[xxxiii] المرجع السابق، ص 119
[xxxiv] احمد محمد زامل، مرجع سابق، ص 893
[xxxv] وليد ناجي الحيالي، محمد عثمان البطمة، مرجع سابق، ص 119
[xxxvi] وجدى حامد حجازي، تحليل القوائم المالية في ظل المعايير المحاسبية، (الاسكندرية: دار التعليم الجامعي،2011م)، ص192
[xxxvii] هاني عبد الأمير الفيلي، إسماعيل على عباس، مرجع سابق، ص 578
[xxxviii] عبد الحليم كراجة وآخرون، مرجع سابق، ص 191-192
[xxxix] المرجع نفسه.
[xl] منير شاكر محمد، مرجع سابق، ص 53
[xli] قاسم محسن الحبيطي، زياد هاشم يحيى، تحليل ومناقشة القوائم المالية، (بيروت: الدار النموذجية للطباعة والنشر، ط1،2011م)، ص 81
[xlii] منير شاكر محمد، مرجع سابق، ص 53
[xliii] المرجع السابق نفسه.


الثلاثاء، 30 يوليو 2019

كيفية قياس وتحديد القيمة العادلة

د. عمر محجوب محمد الحسين

أولاً : نماذج قياس القيمة العادلة

           فرض مبدأ موضوعية القياس على المحاسبين عند قياسهم للقيمة نموذج التكلفة التاريخية على افتراض أن وحدة القياس مستقرة، وهي التكلفة التي تقاس بالمدفوعات النقدية الفعلية أو ما يعادلها من التزامات مالية عند الحصول على الأصل. وعرف المعهد الامريكي للمحاسبين القانونيين (AICPA) التكلفة التاريخية بأنها "هي المبالغ المقاسة بالنقود، للنقدية المنفقة، أو الممتلكات الأخرى المحولة للغير، أو أسهم رأس المال المصدرة، أو الخدمات المنجزة، أو الالتزامات المقدمة في مقابل السلع والخدمات التي تم أو سوف يتم استلامها" [i] . أما تعريف (GAAP) كان كالآتي:
"For assets, historical cost is the amount of cash or cash equivalents paid or the fair value of the consideration given to acquire the asset at the time of its acquisition. For liabilities, historical cost is the amount of proceeds of cash or cash equivalents received or the fair value of non-cash assets received in exchange for the obligation at the time the obligation is incurred, or in some circumstances (for example, income tax) the amounts of cash or cash equivalents expected to be paid to settle the liability in the normal course of business. Amortized historical cost is the historical cost of an asset or liability plus or minus that portion of its historical cost previously recognized as expense or income".
ويعنى ذلك أنه "بالنسبة للموجودات، التكلفة التاريخية هي مقدار النقدية أو شبه النقدية المدفوعة أو القيمة العادلة للمبلغ المدفوع للحصول على الأصل في وقت حيازته. بالنسبة للمطلوبات، التكلفة التاريخية هي مقدار العائدات من النقد أو النقد المعادل المقبوض أو القيمة العادلة للموجودات غير النقدية التي حصلت في مقابل التزام في الوقت الذي فيه يتم تكبد التزام، أو في بعض الحالات (على سبيل المثال، ضريبة الدخل) المبالغ النقدية أو شبه النقدية المتوقع دفعها لتسوية المسؤولية في سياق الأعمال الاعتيادية. التكلفة التاريخية المطفأة هي التكلفة التاريخية للأصل أو الالتزام زائد أو ناقص ذلك الجزء من التكلفة التاريخية المعترف بها سابقا كمصروف أو إيراد". وهذا التعريف هو نفس تعريف (IFRS) [ii]. ولكن مع تنامي الأزمات المالية وزيادة الأسعار والتضخم وجهت انتقادات كثيرة لنموذج التكلفة التاريخية  وثبت أن هناك قصور كبير في القوائم المالية المعدة بالتكلفة التاريخية من حيث عدالة تمثيل المركز المالي في القوائم المالية؛ فمصاريف الإهلاك يتم إعدادها على أساس التكلفة التاريخية بينما يتم حساب الإيرادات على أساس التكلفة الجارية وهذا يؤدى إلى التأثير على أساس مقابلة الإيرادات بالنفقات وبالتالي التأثير على عدم إمكانية اتخاذ المستثمرين لقرارات استثمارية دقيقة بسبب عدم توفر معلومات محاسبية مناسبة وملائمة وذات موثوقية. كما أن محدودية المعلومات المحاسبية المعدة وفق التكلفة التاريخية الواردة في القوائم المالية وفي ظل ارتفاع الأسعار مؤشر لعدم صلاحية واكتمال تلك المعلومات لاتخاذ القرارات السليمة [iii]، لذلك نجد أن الاعتماد على البيانات المالية المعدة وفقا لمفهوم التكلفة التاريخية معيباً للأسباب التالية:
أ‌-       تفشل التكلفة التاريخية في عكس آثار تغير مستوى الأسعار، حيث تقوم على افتراض ثبات الأسعار واستقرارها وعدم تغيرها وهذا افتراض غير منطقي حيث أن الأسعار في تغير مستمر نتيجة لعوامل العرض والطلب المتعلق بأصول المنشاة، إضافة للتغير التكنولوجي المستمر. كما أن ثبات الأسعار مرتبط بثبات القوة الشرائية للنقود وهذا أيضا افتراض غير صحيح حيث أن قيمة النقود تخضع لعوامل التضخم الذي يتسبب في انخفاض قيمتها [iv].
ب‌-   الميزانية العمومية المفصح عنها تحتوى على أصول ذات قيمة غير حقيقة وغير واقعية، وبالتالي فإن محتوى القوائم المالية يبتعد عن مبدأ التمثيل الصادق والتعبير عن حقيقة الأرقام التي تحتويها القوائم المالية.
ت‌-   حساب الأرباح والخسائر لا يحمل بالمصاريف المناسبة خاصة بالنسبة للاستهلاك وتكلفة المواد المستهلكة.
ث‌-   إن الاستمرار في تطبيق مبدأ التكلفة التاريخية يعنى دمج بنود  القيم المختلفة في القوائم المالية، والتي تشكل التكلفة التاريخية أكبر عائق أمام توحيدها نظر لبعد هذه البنود الزمني بالنسبة لتاريخ التملك، لذلك تتضمن التكلفة التاريخية أخطاء في الزمن والوقت حيث تجمع بين تكاليف النفقات التي أنفقت في أوقات متعددة، حيث يتم الجمع بين الأصول غير المتداولة والمسجلة بالتكلفة التاريخية مع الأصول الجارية المسجلة بأكثر من طريقة مثل القيمة القابلة للتحقق، والتكلفة الجارية، وبذلك تغاضت عن اختلاف الأوقات التي حدثت فيها التكاليف؛ إضافة إلى ذلك قد يتم إنفاق هذه التكاليف بالنسبة للأصول المتداولة في فترات مختلفة وبمستويات أسعار متعددة [v].
ج‌-    التمسك بمبدأ التكلفة التاريخية يؤثر على قياس الدخل الحقيقي للمنشاة باعتبار أن الدخل الشامل يعرف كما ورد في نشرة مفاهيم المحاسبة المالية رقم (6) الصادرة عن مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكي بأنه" التغير في حقوق الملكية (صافي الأصول) لمنشأة معينة خلال فترة زمنية معينة من العمليات والأحداث ما عدا تلك الأحداث التي تنشأ نتيجة لاستثمارات الملاك أو التوزيعات إلي الملاك"، ويعتبر التغير الذي يطرأ على التكلفة التاريخية للأصول طويلة الأجل هو في حقيقة الأمر تغير في حقوق الملكية ولكن لا يتم إثباته في السجلات المحاسبية بسبب أنه تغير مرتبط بأصول لم تشترى بغرض البيع [vi].
ح‌-    يحول استخدام مبدأ التكلفة التاريخية دون زيادة الرفع المالي، حيث تبقى الزيادة متضمنة قيمة الأصل في حال استخدام وتطبيق القيمة العادلة [vii].
خ‌-    علاوة على ذلك إن ظهور أرباح وهمية وزائفة قد يدفع إدارة الشركة إلى توزيع أرباح عالية وتدفع أجور وضريبة أيضا مبالغ فيها. كما أن التكلفة التاريخية تقلل من القيمة الاقتصادية الحالية للشركات.
إن ارتفاع معدلات التضخم فضلا عن تسارع وتيرة التطور التكنولوجي الذي شهدته الصناعات أدى إلى تغير القيمة الاقتصادية بسرعة حتى لم يعد في إمكان التكلفة التاريخية تقديم صورة حقيقة عن نتيجة الأعمال، وتحت ضغط مستخدمي المعلومات المحاسبية على المحاسبين لتقديم بيانات مالية تأخذ في الاعتبار التغيرات في مستوى تغير الأسعار كان على المحاسبين تغيير مبدأ التكلفة التاريخية إلى نهج يضمن تقديم المعلومات المحاسبية الملاءمة للمستخدمين [viii]. لذلك نجد أن الأمر استلزم إيجاد طرق بديلة تعكس آثار ارتفاع الأسعار والتضخم، وكما ذكرنا سابقا أن محاسبة التضخم ذات علاقة ببعض المفاهيم الأساسية كمفهوم المحافظة على رأس المال، ومفهوم القوة الشرائية للنقود. لذلك عمد المحاسبون إلى مجموعة من نماذج القياس البديلة للتكلفة التاريخية التي تأخذ في الحسبان تقلبات الأسعار وتعالج مشكلات التضخم وآثاره من خلال مؤشرات القياس المحاسبي عن طريق النماذج التالية :
أ‌-  طريقة التكلفة التاريخية المعدلة General Price Level Adjusted Historical Cost (GPLA)
            وتسمى هذا الطريقة أيضا بالمحاسبة وفقا للتغيرات في المستوى العام للأسعار، ويتم في هذه الطريقة تعديل عناصر القوائم المالية وبالأخص (العناصر غير النقدية) باستخدام الأدوات القياسية للتغير في المستوى العام للأسعار، ويتم التعديل على تلك البنود والعناصر وفقا المعادلة التالية :
قيمة المعدلة للبند     =   
القيمة التاريخية للبند  ×     الرقم القياسي في تاريخ نهاية العام


الرقم القياسي في تاريخ نشأة البند
وعند الأخذ بهذه الطريقة هناك ضرورة ملحة للتمييز بين بندين من بنود القوائم المالية؛ وهما [ix]:
1-  البنود النقدية التي يتم قياسها بالقيم الجارية أو القيم السوقية والتي تظهر بالقوائم المالية المعدلة بمبلغها الحقيقي ولكن يتم احتساب مكاسب أو خسائر المستوى العام للأسعار ثم يتم المقارنة بين الأرصدة المعدلة والأرصدة الفعلية لها.
2-    البنود غير النقدية والتي تتغير بتغير المستوى العام للأسعار، وبالتالي فهي بحاجة إلى تعديل بما  يتناسب مع ذلك التغيير.
      "ويرى أصحاب محاسبة المستوى العام للأسعار أن القوائم المالية التقليدية لا تظهر الأرباح والخسائر الناتجة عن احتفاظ المشروع بالبنود النقدية، مثل النقدية بالصندوق والمصارف والزبائن والدائنين، هذا بالإضافة إلى عدم صحة المبالغ الواردة بقائمة المركز المالي" [x]، وبالتالي فإن الهدف الأساسي لمحاسبة المستوى العام للأسعار هو تعديل الأصول والخصوم بحسب المستوى العام للأسعار بحيث تصبح ذات وحدة قياس متجانسة ويعبر عنها بوحدات نقدية ذات قيمة جارية في تاريخ إعداد القوائم. وفي هذه الطريقة يتم تعديل قيم الأصول الثابتة وأرصدة حسابات مخصصات الاستهلاك، وفقا لخطوات معينة حيث يتم أولا تحديد مكونات كل حساب من حسابات وتاريخ اقتناء الأصل وتحديد التكاليف المدفوعة على كل أصل من الأصول، ومن ثم تقسيمها إلى مجموعات حسب تاريخ الشراء، ومن ثم يتم حساب رقم قياسي لكل مجموعة بحسب تلك التواريخ. حيث أصبحت هذه الطريقة (محاسبة المستوى العام للأسعار) من الطرق المساعدة على حل مشكلة الاستبدال لأن قيم الاستهلاك المحسوبة بناءً على هذه الطريقة أكبر من المحسوبة بناء على التكلفة التاريخية. إلا أن محاسبة المستوى العام للأسعار قد لا تحقق الموضوعية وذلك بسبب عدم ارتفاع أسعار الأصول بالمستوى نفسه وفي لحظة واحدة من الزمن، كما أن بعض السلع قد تنخفض أسعارها لظروف خاصة بها، إن تطبيق الرقم القياسي المفرد على القوائم المالية التاريخية يؤدي إلى خلط في البيانات وعدم دقتها وقد تكون أسوء حال من القوائم التاريخية [xi].
أ‌-    في عام 1974م أوصت الهيئات المحاسبية المهنية في المملكة المتحدة بأن تكون هناك بيان تكميلي يرفق بالتقارير المالية للشركات يحوي تفاصيل تحويل الأرقام الواردة في هذه التقارير من حيث قوتها الشرائية وهو ما يعرف بالقوة الشرائية الحالية (CPP) وفي هذا الأسلوب يتم استخدام مؤشر الأسعار العام (RPI) وهو مؤشر لأسعار التجزئة والجملة لإعادة صياغة بعض أو كل العناصر الموجودة في القوائم المالية التاريخية طبقا للمستوى العام للأسعار؛ فالتكلفة التاريخية كان يظن أنها تعالج مفاهيم المحافظة على المال حيث أن الأموال الناتجة للشركة تتجاوز قيمة المساهمة الأصلية التي دفعها المساهمين وبالتالي فالشركة تكون في أفضل حال ولكن التضخم قوض هذه المزاعم فكان أسلوب (CPP) محاولة للتعامل مع هذه المشكلة عن طريق ضبط قياسات التكلفة التاريخية لآثار التضخم وبذلك يتم المحافظة على القوة الشرائية للشركة. والأرباح الناتجة عن تعديلات (CCP) تعرف بأنها تلك المكاسب الناشئة خلال الفترة المالية التي يمكن توزيعها على المساهمين بحيث أن قوة ومقدرة المساهمين على الشراء هي نفسها في بداية ونهاية الفترة المالية. وأوصى المعيار البريطاني (UK Accounting Standards) رقم (SSAP7) انه على الشركات أن تستمر في نشر  أرقام ميزانياتها على أساس التكلفة التاريخية بالإضافة إلى إرفاق بيان تكميلي يظهر تأثير تحويل هذه الأرقام إلى أرقام معدة طبقا لأسلوب القوة الشرائية الحالية، وعموما فإن خصائص (CPP) يمكن إجمالها فيما يلي :
ب‌-      يتم إعداد بيان تكميلي إضافي إلى البيان المالي التاريخي ويتضمن هذا البيان التكميلي إعداد بيان الدخل والميزانية العمومية طبقا لأسلوب (CPP).
ت‌-    يستند إعداد أي بيان بأسلوب (CPP) على البيانات التاريخية.
ث‌-    يستخدم الرقم القياسي لأسعار المستهلك أو مؤشر أسعار الجملة كعامل تحويل العناصر التاريخية.
ج‌-     يتم تصنيف جميع البنود الواردة في البيانات المالية إلى بنود نقدية وأخرى غير نقدية لكن لا حاجة إلى تعديل البنود غير النقدية.
ح‌-     صافي الربح أو الخسائر لحساب البنود النقدية ترحل إلى حساب الأرباح والخسائر. 
خ‌-   على الرغم من الانتقادات الموجه إلى أسلوب (CPP) إلا أن هناك من يرون أن سعر    تعديل مستوى الأسعار يمكن التحقق منه بالرجوع إلى مؤشر يستخدم لقياس التغيرات في القوة الشرائية للنقود وبذلك يمكن أن يتحقق معيار الموضوعية وهو نفس الهدف الذي يتوفر للداعين باستخدام أسلوب التكلفة التاريخية [xii].
ويعاب على هذه الطريقة عدم معالجتها لأخطاء التوقيت التي تنشأ من التغير في المستوى الخاص أو النسبي للأسعار. ومن عيوب هذه الطريقة أيضا أنها تتجاهل التغيرات التي تطرأ على المستويات الخاصة للأسعار بعض الأصول (كما يحدث في التغير في أسعار بعض الأصول نتيجة التقدم التقني).
         أيضا هذه الطريقة تعتمد على فكرة مجردة هي فكرة القوة الشرائية المعدلة لوحدة النقد، وهذا يؤدي إلى صعوبة فهم واستيعاب المعلومات المالية التي تنتج عن تطبيق التكلفة التاريخية المعدلة. ويؤدى أيضا إلي عدم ملاءمة المعلومات لاحتياجات مستخدمي القوائم المالية.
            أيضا تطبيق هذه الطريقة يثير مشاكل عديدة مما يترتب عليه زيادة التكاليف المرتبطة بالتطبيق في مقابل المنافع المرجوة من تطبيقها [xiii].
ب‌-              طريقة التكلفة الجارية Current Cost Accounting ( CCA)
            منهج هذه الطريقة هو اعتماد أساس للقياس يختلف عن التكلفة التاريخية، وهذا المنهج يقوم على إجراء تقويم للموجودات وتحديد الدخل الدوري باستخدام القيمة الجارية في القياس المحاسبي، بمعنى أن الأساس المقترح هو الأسعار الجارية المبنية على أساس أسعار السوق أو صافي القيمة البيعية القابلة للتحقق أو تكلفة الإحلال. ومن خلال هذه الطريقة يتم المحافظة على رأس المال ليس من الناحية النقدية فقط بل أيضا من الناحية الاقتصادية. وهذا الطريقة أكثر شيوعا كواحدة من بدائل القياس بالتكلفة التاريخية والأكثر موضوعية [xiv]. تختلف هذه الطريقة عن طريقة المستوى العام للأسعار من حيث تطبيقها للقيمة الجارية للموجودات غير النقدية وفق أسعار هذه الموجودات وليس المستوى العام للأسعار، أما الأصول والالتزامات النقدية فيبقى دون تعديل في جميع الأحوال. وللتعبير عن القيمة الجارية تستخدم عدة نماذج من أهمها:
1-      نموذج التكلفة الحالية المخصومة :  Discounted Present Value
         وفي هذا النموذج يتم قياس القيمة الاقتصادية للأصل، وذلك عن طريق التنبؤ بصافي الإيرادات التي سوف يحققها الأصل خلال حياته الإنتاجية ثم بعد ذلك يتم تحديد معدل فائدة مناسب بغرض خصم تلك التدفقات النقدية المتوقعة والمبلغ الناتج من تلك العملية هو القيمة الحالية لذلك الأصل، وفي هذه الطريقة يكون الدخل مساويا للفرق بين القيمة الحالية لصافي الاصول في نهاية الفترة وقيمة تلك الاصول في بدايتها مع استبعاد أثر استثمارات الملاك وتوزيعات أرباحهم. وعملية القياس في هذا النموذج تشابه المفهوم الاقتصادي للدخل، بسبب أن القيمة الحالية المخصومة تكون هي الأقرب للقيمة الفعلية للأصول المستخدمة، وهي بذلك ينظر اليها على أنها بديل مناسب وفعال لقياس الثروة، اضافة الى ذلك نجد ان التغيرات في التدفقات النقدية المتوقعة والقيمة الحالية من فترة الى اخرى تكون ملائمة لاتخاذ القرارات، كما ان القيمة الحالية في نهاية الفترة تعبر تقريبا عن الاموال التي ترغب المؤسسة في استثمارها لشراء أصول تحافظ بها على طاقتها التشغيلية، وهذه النتيجة تنسجم مع مفهوم المحافظة على رأس المال المادي لقياس الدخل. وكان لإصدار مجلس معايير المحاسبة المالية قائمة مفاهيم المحاسبة المالية رقم (7) تحت عنوان (استخدام مقاييس التدفق النقدي والقيمة الحالية في المحاسبة) الاثر الكبير في اعطاء نموذج القيمة الحالية دفعه قوية رغم وجود مشاكل مثل كيفية تحديد مقدار التدفقات النقدية خلال الفترات الزمنية، واختيار مقدار الخصم المناسب بسبب تغير أسعار العملة، وتداخل الأصول في المؤسسة الواحدة حيث أن تحقق الإيرادات يكون نتيجة التشغيل والاستخدام المشترك للأصول. ان استخدام اساليب القيمة الحالية لقياس القيمة الجارية لا يمكن أن يكون سليما إلا اذا كانت تقديرات التدفقات النقدية سليمة من حيث الحجم والتوقيت [xv].
2-      تكلفة الاستبدال أو سعر دخول الأصل: Entry Price or Replacement Cost
        هذه الطريقة تقيس الأصول والنفقات وفق قيمتها الاستبدالية حيث ذكر بعض الباحثين إلى أن رقم الأرباح الناتج عن التقييم بالتكلفة التاريخية يوازي الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن توزيعه كأرباح ويكون لا زال بالإمكان المحافظة على مستوى حجم ونشاط ونطاق عمليات المنشأة [xvi]. وتمثل القيمة الحالية الأساس المثالي لتقييم موارد والتزامات المنشأة لأنها تحقق لمستخدمي القوائم المالية هدفهم نحو إيجاد أسلوب للتنبؤ بالمقدرات المالية للمنشاة مستقبلا. وبوجه عام يمكن القول بأن مفهوم القيمة الجارية يهدف إلى استخدام أساليب وطرق فنية ومستحدثة لقياس وعرض بنود الحسابات الختامية، وهي تختلف عن مفهوم التكلفة التاريخية المعدل بالأرقام القياسية العامة [xvii].
3-      طريقة صافي القيمة البيعية أو سعر خروج الأصل: Exit Value or Selling Price
        صافي القيمة البيعية (سعر الخروج الجاري) لأصل من الأصول هي صافى القيمة التي  تتوقع المنشأة تحقيقها من بيع الأصل خلال دورة النشاط العادي مطروحا منها المصاريف البيعية، (في حين أن القيمة العادلة تعكس القيم التي يمكن تبادل نفس المخزون بها بين بائع ومشتر كل منهما لديه الرغبة في التبادل في السوق؛ ومن ثم فإن صافى القيمة البيعية يرتبط بظروف المنشأة في حد ذاتها في حين أنه لا ينطبق ذلك على القيمة العادلة. ومن هنا فإن صافى القيمة البيعية قد لا يساوى القيمة العادلة بعد تخفيضها بالمصروفات البيعية). ويتم وفق هذه الطريقة إعادة تقويم كافة الأصول بقيمتها البيعية الصافية وفي حالة تعذر التقدير بصورة مباشرة من خلال أسعار السوق يتم الاعتماد على استخدام الأرقام القياسية للأسعار، أو استخدام خبرات المهنيين في التقدير [xviii]. ويتغاضى مدخل سعر الخروج لتقييم الأصل بصورة كلية عن مبدأ التحقق للاعتراف بالإيرادات نظرا لأن مكاسب وخسائر الحيازة يتم الاعتراف بها فورا عند قيد الاصل، حيث يصبح الحدث الأساسي للاعتراف بالأرباح هو نقطة الشراء وليس نقطه البيع. وذكر Sterling & Chambers أن أسعار خروج الأصول ملائمة لأغراض اتخاذ القرار خلال فترة محاسبية من قبل الادارة حول ابقاء الأصول أو بيعها أو استبدالها [xix].



[i] . هيثم ادريس محمد المبيضين وآخرون، دور الاعتماد المزدوج للكلفة التاريخية والقيمة العادلة في تحقيق ملائمة وموثوقية البيانات المالية، مجلة دراسات محاسبية ومالية، جامعة بغداد، مجلد 6 العدد 14، 2011م).
[ii] . IFRS Foundation: Training Material for the IFRS® for SMEs, Module 2 – Concepts and Pervasive Principles, issued by the International Accounting Standards Board on 9 July 2009,.P.P.5-6. Web: www.ifrs.org
[iii] . هيثم ادريس محمد المبيضين وآخرون، مرجع سابق، ص 95
[iv] . خيرت ضيف، احمد نور، احمد بسيوني، المحاسبة المالية دراسات في القياس والتحليل المحاسبي، (بيروت : الدار الجامعية للطباعة والنشر، 1984م)، ص 35
[v] . خالد الجعارات ومحمود الطبرى، مخاطر القياس المحاسبي وانعكاسها في القوائم المالية إبان الأزمة المالية العالمية، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة، العدد 34 ،2013م، ص 249
[vi] . خالد الجعارات ومحمود الطبرى ،مرجع سايق، ص 250
[vii] . Christian Laux and Christian Leuz, The Crisis of Fair Value Accounting : Making Sense of the           Recent Debate, Center for Financial Studies, CFS Working Paper No. 2009/09. April 2009,p.9.             ( http://www.ifk-cfs.de)
[viii] . BESSONG, PETER KEKUNG, CHARLES, EFFIONG, COMPARATIVE ANALYSIS OF FAIR VALUE AND HISTORICAL COST ACCOUNTING ON REPORTED PROFIT: A STUDY OF SELECTED MANUFACTURING COMPANIES IN NIGERIA, Research Journal of Finance and Accounting, Vol 3, No 8 , 2012,.P.137
[ix] . وصفي عبد الفتاح أبو المكارم، دراسات متقدمة في مجال المحاسبة المالية،) الاسكندرية : دار الجامعة الجديدة، 2002م)، ص340
[x] . حسين القاضي، الدكتور مأمون حمدان، نظرية المحاسبة، (عمان : دار الثقافة للنشر والتوزيع، ط2، 2012م)، ص 403
[xi] . المرجع السابق نفسه، ص 400
[xii] . Robert W. Helm,Thomas C. Bogle,Jeanette A. Wingler, Op. cit.,P. 141   
[xiii] . سامي محمود الوقاد، نظرية المحاسبة، (عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، ط1،2011م)،  ص 288
[xiv] . ([xiv]) المرجع السابق نفسه،  ص 298
[xv] . ريشارد شرويد وآخرون، نظرية المحاسبة، تعريب خالد على احمد وآخرون، (الرياض: دار المريخ للنشر، 2010م)، ص180-182
[xvi] . Robert W. Helm, Thomas C. Bogle ,Jeanette A. Wingler, Op. cit., P.P. 138-139
[xvii] . احمد خضر محمد وفارس جميل الصوفي، مدى تأثير التكلفة التاريخية على القوائم المالية في ظروف التضخم، الملتقى الدولي حول الإصلاح المحاسبي في الجزائر، الجزائر، 29-30 نوفمبر2011، ص207
[xviii] . حسين القاضي ومأمون حمدان، مرجع سابق، ص 375
[xix] . ريشارد شرويد وآخرون، مرجع سابق، ص 179


أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي

د. عمر محجوب محمد الحسين https://sudanile.com/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%...