الخميس، 23 مايو 2019

الاقتصاد وشروط استدامة الديمقراطية

        الاقتصاد وشروط استدامة الديمقراطية

د.عمر محجوب الحسين
           يقول سيمور ليبست (Seymour M. Lipset) " كلما كانت الأمة في رخاء وسعة عيش، عظمت فرصتها في الحفاظ على الديمقراطية"؛ الحالة الاقتصادية والاجتماعية تلعب دوراً بارزاً في الانقلاب على الديمقراطية، وتلعب نفس الدور في الانقلاب على الحكم التسلطي والاستبدادي، صحيح ان العوامل الاقتصادية والاجتماعية هي من ضمن عناصر كثيرة داخلية وخارجية تربطها علاقات معقدة يتعذر فهمها للعامة، لذلك يكون الانتقال من الحكم التسلطي الى الديمقراطية عسيراً واذا لم يتم حل مشاكلنا الاقتصادية والاهتمام بالأوضاع الاجتماعية والثقافية سوف نبقى في الدائرة الجهنمية للانقلابات، لأنها تمثل العوامل الأهم في ترسيخ الديمقراطية، وتشير البحوث الاكاديمية الى ان الديمقراطية احرزت تقدماً  كبيراً في انحاء العالم خلال فترة وجيزة من الزمن؛ ليس لأجل الحريات السياسية وحقوق الانسان فقط لكن بتحقيق التنمية الاقتصادية، وزيادة رفاه المجتمعات.
          كثير من الأنظمة الحاكمة حول العالم وخاصة العالم الثالث هي في منطقة شبه الديمقراطية (semi democracy)؛ ايضا يطلق عليها شبه تسلطية (Semi authoritarianism) ويستخدم المصطلحان للإشارة إلى دولة أو نظام يمتلك سمات ديمقراطية وسلطوية في نفس الوقت، ويتحكم الوضع الاقتصادي عادة في نشؤ هذه الانظمة؛ بالإضافة الى عدم الاعتراف بالكامل بالديمقراطية على اعتبار انه يتم فرضها من الدول الغربية لأسباب سياسية واقتصادية وفى ظل صراع المصالح الاقليمية والدولية، كما ان الشأن الاقتصادي ومصالح للدول العظمى تجعل منه اداة حربية حتى لوأد الديمقراطية اذا كانت تأتى بمن يهدد مصالح القوى العظمى والتقليدية الاقتصادية؛ وهنا تسقط هذه الدول في امتحان الاخلاق وتقع في مستنقع الانانية من خلال حمايتها لأنظمة تسلطية وقمعية بسبب المصالح الاقتصادية لأن هذه الدول القمعية تحمى مصالح الدول العظمى واي اضطراب في استقرارها  يهدد مصالح هذه الدول الحامية ولن تتمكن من الاستفادة من مقدرات هذه الدول التسلطية والقمعية؛ ومعروف أن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الامريكية ساندت بقوة دول غير ديمقراطية في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية لأسباب تتعلق بمصالحها الاقتصادية. من جانب آخر لن يتحقق الرفاه والتنمية الاقتصادية اذا كانت الديمقراطية هشة بسبب عدم القدرة على التحرك باستقلالية وحرية بسبب التجارة والتمويل و والوقوع تحت مظلة الاعتماد على البنك وصندوق النقد الدوليين وهى مظلة تبعية تجعل الدولة تحت وصاية الدول العظمى.        
          إن الثورة التي حدثت في السودان هي بلا شك ثورة نتيجة للأوضاع الاقتصادية المتدهورة، والاجتماعية والسياسية وتحسن هذه الاوضاع هو مفتاح ترسيخ والمحافظة على الديمقراطية مستقبلاً، ومعلوم ان المجتمع الصناعي الاوربي الحديث هو الذى أوجد الديمقراطية على اعتبار انها ضرورية لضمان استقرار الاوضاع. إذا كان نظام الحكم ديمقراطي يكون أكثر فاعلية في حماية حقوق الملكية وحكم القانون وتشجيع الثقة بالإعمال واكثر شفافية وقدرة على محاربة الفساد، ومن شأن ذلك أنه يزيد  ويوسع الإنتاج ويحفز ديمومته، ونمو الدخل المحلي الإجمالي للفرد وبالتالي التأثير على العوامل الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، مثل الحد من هجرة الكفاءات العلمية التي لها اثر بالغ على التنمية الاقتصادية وهى من اهم اسباب الازمات الاقتصادية لدول العالم الثالث؛ وتحريك التنمية البشرية وتطويرها من خلال تمكين المرأة باعتبارها ركيزة اساسية في بناء الثروة البشرية خاصة وان انشغال المرأة بتوفير لقمة العيش لأسرتها يجعل حضورها ضئيلاً على المستوى الاجتماعي والثقافي والسياسي، والتنمية الاقتصادية تحتاج الى المرأة التي هي نصف الموارد البشرية اللازمة لتحريك التنمية. ايضاً توفر الموارد يساعد في مكافحة المخدرات التي تعتبر من ابرز معوقات التنمية الاقتصادية من خلال تأثيرها على الانتاج والانتاجية للأفراد وزيادة البطالة.
          ونذكر هنا أن الفساد والانحراف القيمي أحد اهم معوقات التنمية في السودان وهذا الفساد حدث نتيجة للازدهار المفاجئ الذى حدث بعد الحصول على ايرادات البترول، وهو فساد ضخم كان من خلال الرشى وسرقة موارد الدولة والتقارير والاشاعات منتشرة حول الوزراء ومديري الادارات وغيرهم؛ لذلك نحن في حاجة الى ما يعرف بجودة الحوكمة خاصة وان افريقيا منطقة الصحراء من حيث الديمقراطية والفساد وسيادة القانون الاكثر فساداً في العالم والاكثر ضعفاً من حيث الحوكمة؛ ونحن الان نحتاج الى مقاييس الاقتصادي الأرجنتيني (دانيال كوفمان) الستة والتي اهمها حكم سيادة القانون، ومراقبة الفساد، وجودة نظام الحكومة، والاستقرار السياسي وايقاف العنف، ويمكن ان القول ان هذه المقاييس هي مقاييس جودة الدولة. ان اخفاق السودان منذ الاستقلال ليس فقط انعدام الموارد، حيث ان انعدام الموارد لا يفسر الاخفاق في التنمية والتوظيف السيئ لموارد البترول، كما اننا ضمن الدول الافريقية التي تلقت 600 مليار دولار من المساعدات منذ عام 1960م. لكن كان الفكر والنظام نظام استهلاك وليس نظام انتاج واستثمار.
          ان المحافظة على الديمقراطية يتطلب وعياً ودرجة من التعليم والتحضر والممارسة الفعلية لها، والاعلام الواعي؛ وهذه العناصر تدفعها وتحققها التنمية والموارد الاقتصادية التي تخفف الصراعات السياسية، ويقول (روبرت دال) " أن الرأي القائل بأنه كلما ارتفع المستوى الاجتماعي والاقتصاد للبلد، رجحت احتمالات كونه ديمقراطياً مسألة لا جدال فيها".  والحفاظ على الديمقراطية يأتي ايضا في سياق شروط الثقافة السياسية وهى التي تتشكل من منظومة القيم والمعتقدات التي تحدد اتجاه الفعل السياسي. ولا نريد ان تكون الديمقراطية سطحية وغير لبرالية وفكرة جوفاء لا معنى بها في أعين الناس، وان لا تكون مجرد صدفة سرعان ما تمضى في حال سبيلها؛ خاصة وأنه في ظل الحرب على الارهاب من غير المرجح أن تستخدم الولايات المتحدة نفوذه الجيوسياسي لترسيخ الديمقراطية في مناطق النزاعات. ان النزعة الديمقراطية واستمرارها يحتاج الى التنمية الاقتصادية التي تساعد في رفع مستوى التعليم والوعى؛ ويحتاج السودان الى الانخراط في الاقتصاد العالمي، ويحتاج الى الحوكمة والشفافية. واذا عجزت الحكومة المنتخبة عن محاربة الفساد والقضاء على التفاوت الاقتصادي، عجزت عن تحقيق العدالة وتحقيق النمو الاقتصادي؛ سوف يكفر الشعب بالديمقراطية ويتبنى ويتسامح مع زوالها ويقبل بغيرها. 

الأحد، 28 أبريل 2019

اقتصادنا ومتطلبات المرحلة

          تشترك معظم الثورات التي انتظمت المنطقة العربية في منطلقات تكاد تكون متطابقة مثل محاربة الفساد، المحسوبية، الازمة الاقتصادية وتبعاتها من تضخم، بطالة، وانخفاض سعر صرف العملة المحلية، وتفاقم الفقر، والدكتاتورية؛ وقامت ثورة السودان من اجل الخروج من تحت حطام هذه العوامل وركامها، ولا شك أن العامل الاقتصادي هو السبب الرئيس الذى زود الثوار بالوقود اللازم وأشعل شرارة الثورة، فالسياسة يحركها الاقتصاد، والجيوش يحركها الاقتصاد، والدكتاتوريات يحركها الاقتصاد، والفساد يحركه الاقتصاد، والتحالفات يحركها الاقتصاد ورغم الادعاء بوجود نظام اقتصاد عالمي جديد ولكن تسيطر على الدول الراعية افكار الماركنتيليون من خلال تبنى منهج السيطرة الاقتصادية رغم العولمة الاقتصادية وظهور نمط السوق الحر لكن لمصلحة دول معينة.
          إن تعافي الاقتصاد من ازمته الراهنة هو الضامن للاستقرار السياسي، فالثوار لن يتحملوا نقص المواد البترولية ونقص الخبز، فهو يريد الرفاه الاقتصادي الذى هو غاية الاقتصاد، والمشكلة الاقتصادية هي حالة فجوة بين الحاجة والاشباع ويكمن حاله في تحقيق المنفعة بالإنتاج والتوزيع، التي يعقبها تحقق المطالب، وديمومة هذا الرفاه الانفاق، الادخار، الاستثمار؛ لكن في البداية نحتاج الى فلسفة الانتاج وتسخير الطاقات لخلق المنفعة ودون تواكل بالاعتماد على الغير في تحقيق المنفعة، ويتطلب الانتاج رعاية الدولة من خلال خفض الضرائب وتحفيز المنتجين وضرب قطاع السماسرة. كما ينبغي الاهتمام في هذه المرحلة بالعمل التعاوني وارجاعه الى سابق عهده بعد القضاء على شركات الحكومة.
          ونحتاج في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ السودان الى خطة اسعافيه عاجلة للتصدي لقضايا الاقتصاد الملحة من خلال الحصول على قروض لسد عجز الموازنة للسنوات القادمة ويكون هدفها قصير المدى توفير متطلبات المواطن الاساسية من محروقات وخبز ودواء؛ والسعي في نفس الوقت والعمل على استدامة الدين بمعنى ان يكون الناتج المحلى الإجمالي في المدى البعيد كافياً لسداد الديون الخارجية والداخلية وخفض نسبة الديون الى المستويات الارشادية المتعارف عليها. أيضا مطلوب رؤية استراتيجية للفترة القادمة لا تتجاوز 10 سنوات كمرحلة اولى من فترة اطول للتنمية تشمل اهداف النمو والتشغيل ومحاربة التضخم باتباع سياسة نقدية تستهدف محاربة التضخم، على اعتبار ان آثار التضخم متعلقة ومرتبطة بالنقد؛ والنمو يضمن احداث فرص عمل جديدة في سوق العمل يرتفع بها المستوى المعيشي للأفراد مما يمكنهم من توفير حاجاتهم ويصبحون قوة دافعة للإنتاج وللسوق والحركة التجارية. والآن بعد الثورة لدى الناس حالة نفسية متفائلة بوادرها ارتفاع سعر صرف الجنيه رغم ان هذا الارتفاع ارتفاع مؤقت نتيجة لرفع حاله الطوارئ وحالة الترقب في السوق من طرف المستوردين وتوقف كثير من الاجراءات الحكومية للاستيراد مما تسبب في وفرة النقد الاجنبي وهذه الزيادة في قيمة الجنية لن تستمر طويلا وسرعان ما يعاود الجنيه الانخفاض عند حدوث طلب على الدولار بعد حدوث حالة الاستقرار السياسي مرتقبة. ونحتاج الى دعم استقلالية البنك المركزي واشراكه في ادارة الازمة الاقتصادية، ومساعدة البنوك في تخطى ازمة الثقة الحالية، وحل المشاكل الادارية والهيكلية في البنوك. كذلك نحتاج الى اعادة الثقة في الجهاز المصرفي، من خلال استغلال زخم الثورة من خلال توجيه البنوك لإعلان جوائز عينية للإيداعات النقدية حسب قيمة المبالغ المودعة وحسب المدة الزمنية لبقاء المبالغ وجوائز مسحوبة لفتح الحسابات، حتى يتم امتصاص اكبر كتلة نقدية خارج الجهاز المصرفي. 
          ايضا نحتاج الى سياسية جديدة لإدارة اسعار المحروقات تتميز بالمرونة معتمدين فيها على اسعار النفط العالمية بحيث يتم تقليص الدعم أو زيادته حسب اسعار النفط العالمية، وهدف ذلك تقليص ميزانية دعم المحروقات التي تنتهجها الحكومة. منذ عام 2011م فشلت سياسات الإصلاح المالي والنقدي في اصلاح الإدارة المالية في زيادة الموارد المحلية، وخفض عجز الموازنة العامة والمحافظ على استقرار سعر صرف الجنيه، بسبب اعتماد سياسات لمعالجة الاختلالات النقدية والهيكلية من خلال تحرير سعر الصرف، تنفيذ برامج للخصخصة وتحرير القطاع العام.
          تستمد السياسة المالية أهميتها من أدواتها حيث أن النفقات العامة تؤثر في النشاط الاقتصادي، فهي تؤثر على الاستهلاك، والادخار، والاستثمار؛ والإيرادات تمثل الموارد التي تحصل عليها الدولة لتقوم بتغطية نفقاتها وكلما زادت إيرادات الدولة واستثمارها زاد النمو الاقتصادي. كما تسعى السياسة النقدية لتحقيق الاستقرار، والنمو الاقتصادي، والاستقرار في المستوى العام للأسعار من خلال التحكم في أدوات السياسة النقدية المتمثلة في الكتلة النقدية، والائتمان المحلي الممنوح للقطاع الخاص، كما تلعب دوراً مهماً في علاج التضخم.
          ان الاختلالات التي حدثت ما بعد 2011م نتيجة  لتراجع الإيرادات؛ نتيجة لفقدان اكثر من 75 في المائة من عائدات البترول، واتباع الحكومة لسياسة مالية ونقدية توسعية لعلاج عجز الموازنة أدت لزيادة معدلات التضخم والذي وصل الى اكثر من 122 في المائة، وارتفع معدل العجز في الميزان الجاري لميزان المدفوعات الذى بلغ في فبراير الماضي 6 مليار دولار. كذلك نحتاج خطة واجراءات عاجلة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية التي إذا ما استغلت استغلالا اقتصاديا جيدا في مشاريع التنمية والصناعة سوف تؤدي إلى زيادة الناتج القومي وارتفاع مستويات الدخل. أيضا يحتاج الوضع الاقتصادي الي محاربة الفساد بصورة مباشرة بعيدا عن التسويات والترضيات وايقاع العقوبات الرادعة ضد المفسدين، ايجاد آلية فعالة للمسائلة الوزارية والتنفيذية، اعداد نظم ادارية كفؤة لإدارة الموازنة، وأدوات متطورة ومستندة إلى واقع تجريبي، أما اللجوء إلى وسائل غامضة في المنهج والأدوات والأسلوب والأهداف والمبنية فقط على ردود الأفعال والارتجالية والآراء الشخصية وتدفعها الاهداف السياسية لن تخرجنا من الازمة الحالية.       
           وهناك نقطة بالغة الأهمية الا وهى ضرورة توعية المواطن بالحالة الاقتصادية ومراحل الخروج منها من خلال صياغة خطاب توعوي رسمي يعمل على التواصل مع المواطن باستمرار، وعدم الاعلان عن وعود واماني لا يمكن تحقيقها أو دون التأكد من حدوثها من خلال الخطابات الجماهرية الحماسية. فهل تشهد الفترة القادمة بداية قوية لتحقيق الاصلاح الاقتصادي.

السبت، 20 أبريل 2019

نظرية الاستحواذ والحاشية الحامية

          عندما تحاول مؤسسات اقتصادية أن تسيطر على مؤسسة أخرى ليمكنها ذلك من السيطرة المالية والادارية على نشاطها؛ يسمى ذلك في الاقتصاد وعالم المال والاعمال بالاستحواذ؛ وتصبح المؤسسة شركة قابضة وتلك المستحوذ عليها شركة تابعة. ولعملية الاستحواذ شق ايجابي ينتج عن زيادة كفاءة الشركة المستحوذة، وشق آخر سلبى يتمثل في احتكار الشركة لقطاع معين. ايضاً هناك حالات استحواذ أخرى أقل وضوحا، أهمها تغول الشركات التي تعمل في مجالات الأساسية المرتبطة بالمواطن، مثل الاتصالات أو المياه أو المحروقات وغاز الطبخ؛ أو مرتبطة بتوريد سلع اساسية كالقمح أو السكر؛ على الجهاز التنفيذي أو الجهاز الرقابي المكلف بمراقبتها.
          ويتضح أن اتجاهات الاستحواذ نشطة جداً ويدفعها تفكير رغبوي يسعى الى الإغداق الاقتصادي للحاشية التي توفر الحماية للنظام الاقتصادي المستفيدة منه، وهذا الإغداق هو القاعدة الاساسية في استمرار الولاء على حساب الاقتصاد الكلى وعلى حساب من يقعون خارج دائرة الحاشية والسلطة، على اعتبار ان الحاشية تدفعها المصلحة المتبادلة مع الجهة الحامية والمغدِقة للهبات، فهي تتكسب من هذه العلاقة دون وازع ديني او اخلاقي غير عابئة بالمجتمع ولا تحس به وبمعاناته، في اطار ما يعرف بالولاء التام أو الحراسة التامة للنسق السياسي مما يوفر له الشرعية التي ترتبط غالباً لدى اصحاب الولاء المصلحي بالخوف من زوال هذا الإغداق وانقضاء زواج المصلحة، رغم انهم يسهل عليهم تبديل الولاء لمصلحة طرف آخر اصبح هو الاقوى، وإهمال الخاسر وهذا ما يسمّى بالولاء المتذبذب لأن الحاشية دينها الانقياد المؤدي الى تحقيق المصلحة المادية، رغم أنه من الطبيعي أن ان يكون تحديد مكانة الشخص في الجماعة او النظام نابع من مدى التزامه بمعايير الجماعة الاخلاقية أو الدينية.   
          وفي علم الاجتماع المعاصر نجد ان هذا الاستلاب المزدوج بين اصحاب القوة والحاشية يؤدي الى استقطاب طبقي داخلي ويضرب النسق الاجتماعي المتوازن ونصبح امام نموذج للصراع بين من يملكون ومن لا يملكون وبين الحاكمين والمحكومين، أو بسبب التباين الشديد بين الفكر والمنهج المعلن عنه والواقع، وكمثال على ذلك الشعارات الدينية في وجود الفساد لدى من يطلق ويتحدث لسانه بهذه الشعارات، ايضاً يؤدي الاستلاب المزدوج الى تحولات سلبية على العملية الاقتصادية، حيث تتدنى عوائد القطاعات الفاعلة في العملية الانتاجية؛ والاخطر هو تحالف اصحاب النسق السياسي الواحد مع اصحاب الثروات ورؤوس الاموال في النسق الاقتصادي مما يؤدى الى تهميش دور الفاعلين في العملية الانتاجية حيث تستغل الطاقة الانتاجية لهؤلاء دون ان يعود عليهم نفع مع ازدياد ثروة اصحاب النسق السياسي بالامتيازات والفساد نظير التسهيلات المقدمة بمقابل.
          والتوفيق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة هو الضمانة لاستقرار النظام الاجتماعي والسياسي، لكن يختلف الامر ان كانت النزعة الفردية عند مجموعة ما تشكل التصور الجمعي لهذه المجموعة.   
          وهناك مسألة مهمة وهى ما يعرف بالإيمان الضمني وهى علاقة تربط الافراد بالتنظيمات وهى علاقة غير متكافئة، وهذه العلاقة تقوم على مبدأ ان كل فعل أو انتاج للآراء السياسية او الاقتصادية او الدينية هي بالضرورة آراء صحيحة ويكون افراد التنظيم في الطبقات الدنيا او حتى الطبقات المنقادة ضمن قطاع المستهلك المكرس للإيمان الضمني، سوف يصرف صكاً على بياض للفئة المسيطرة لتسيير الامور مما يؤدي الى نزوع المتنفذين الى تجريد أولئك الذين يفوضون امرهم لصالح هذه الطبقة المسيطرة، وبالتالي علاقة الايمان الضمني تخدم وتحقق القبضة الحديدية، ونزعة تركز السلطة في أيدي قليلة، وهذه النزعة قدمها الميكيافيليون الجدد على انها حتمية البيروقراطيات السياسية. ودرجة توحد حقل الايمان الضمني تعرف بدرجة توحد المصالح، وعوامل التوحيد اقتصادية وسياسية تحركها اجهزة التعبئة وتوحيد الآليات الاقتصادية.
          واذا رجعنا الى التوزان التفاضلي وجدنا فيه اشكالية حيث أنه يقوم على تناقضات وتيارات في مكوناته لاختلاف المصالح والاهداف، والتوازن في علم الاجتماع هو حالة ثنائية قائمة على الاستقرار النسبي، وهذا التوازن لا يرتكز بالضرورة على التكافؤ بين عناصر المنظومة المتوازنة شكلا، وهذا التوازن الشكلي يرتكز على اتفاق مشترك أو معيار معين، أما التفاضل فيشير الى تفاوت اطراف المنظومة من حيث القوة حيث يتمثل استقرار المنظومة في خضوع الطرف الاضعف ليعمل في خدمة الطرف الاقوى بغرض تحقيق مصالحه؛ ومعادلة التفاضل هذه تجعل الطرف الاقوى هو الاكثر كسباً دون فقدان الطرف الاضعف لنصيبه بشكل كلى ليبقى ويستمر داخل المنظومة المتوازنة؛ والقوة في معادلة التوازن التفاضلي هي قدرة الطرف المسيطر والفاعل على فرض ارادته من خلال علاقة تستوجبها مصالح ومعايير سياسية، اما القدرة هي فرض الارادة التي تجعل صاحب القدرة على التحكم في توجيه محتوى العلاقة لمصلحته، والمصلحة هي الركيزة الاساسية في بناء مثل هذه المنظومة.
          مشكلة نسق الحاشية الحامية والمستحوذة ان له آثار مدمرة على الاقتصاد لأنها المؤثر الرئيس في الفساد الاداري والسياسي وحتى القطاع الخاص، كما أنه فساد منتظم اثره بالغ على سلوك الافراد والمؤسسات وكافة المستويات السياسية ومكوناتها، والاقتصادية والاجتماعية ويصبح من الصعب تجنب هذا الفساد او التخلص منه؛ أيضا هو فساد ممتد بطبيعته ينشأ في بيئة تتحكم فيها السيطرة السياسية وبيئة ذات طفرة اقتصادية ثم انحدار في مستويات النمو الاقتصادي، وفي بيئة يغيب عنها دور المؤسسات التي تقوم بدور المساءلة والمحاسبة؛ ان التشكيل القيمي لتعاظم الاستهلاك وتدني الانتاج يرتبط بتدني الحوافز الاقتصادية للمنتجين الحقيقيين، وهذا يشكل جزء من التراجع الاقتصادي وتدنى الفعالية الانتاجية. يعتقد المستحوذ والمسيطر ان ذلك التراجع في الاقتصاد ما هو إلا نتيجة لتردي منظومة القيم التي يحملها المجتمع وليس منظومة الاستحواذ والحاشية وفسادها. ان محاربة الفساد تتحقق بمؤسسات رقابية فاعلة لديها القدرة على المحاسبة، واحترام الحريات المدنية والحرية الاعلامية والصُحفية باعتبارها السلطة الرابعة والقوة المؤثرة على المواطن والسلطة التنفيذية، وقوتها تعادل قوة الحكومة.

الأحد، 14 أبريل 2019

الأزمة الاقتصادية والمرض الهولندي

                    المرض الهولندي (Dutch Disease) مصطلح معروف في الاقتصاد، وجاء المصطلح توصيفاً لحالة الركون والتراخي الوظيفي التي أصابت الشعب الهولندي في النصف الأول من القرن الماضي بعد اكتشاف النفط في بحر الشمال، حيث عاش الهولنديون حالة من الترف واتجاه نحو الانفاق الاستهلاكي البذخي؛ واصبح قطاع الصناعات التحويلية وقطاع الزراعة عند أقل مستوى في القدرة على المنافسة (على المستوى المحلي) بسبب ارتفاع قيمة العملة مقارنة مع الدول الأخرى، ما ادى إلى ارتفاع كلفة الصادرات، واعقب هذا التراخي وتدنى انتاجية قطاع الصناعة والزراعة تدنى فرص العمل وزيادة البطالة؛ ثم جاءت مرحلة نضوب الآبار التي استنزفت بالإنتاج غير المرشد؛ لذلك سميت الحالة الهولندية في التاريخ الاقتصادي بالمرض الهولندي، كما وصفتها مجلة (الايكونيميست) منذ ثلاثة عقود.

          اذا مفهوم هذا المرض يتم توصيفه من خلال العلاقة بين التوسع في استغلال الموارد الطبيعية معدنية أو بترولية كانت أو زراعية، وبين الانكماش في مجال الصناعات التحويلية، وهي نفس العلاقة التي تفضي إلى مزيد من العوائد المالية وقليل من فرص العمل الوطنية وربما مزيد من استيراد قوى عاملة أجنبية تتمتع بمهارات خاصة ومطلوبة في ظل انكماش تصدير المنتجات المحلية المصنّعة التي تفقد باطراد مزاياها النسبية من جهة، ولا تكاد تصمد للمنافسة السعرية في أسواق التبادل التجاري الدولي من جهة أخرى.
          إن المرض الهولندي داء مزمن أصاب بالإضافة الى هولندا إسبانيا في القرن السابع عشر، وأستراليا منذ ستينات القرن التاسع عشر، وعلى كل من المكسيك النرويج واذربيجان؛ لكن هذه الأقطار خاصة الأوروبية  استطاعت بصورة أو بأخرى أن تشخص المرض وأن تتعامل مع عوارضه وتعالجه.
          المشكلة الأساسية تقع في البلدان النامية ـ تحديداً أفريقيا وفي النموذج النيجيري، والسودان الذى ربما يختلف عن نيجيريا من ناحية انتهاء زمن الاستفادة من النفط بذهاب عائداته الى الدولة الوليدة جنوب السودان بعد الانفصال، لكن نشترك مع نيجيريا من ناحية التخبط في تخصيص واستيعاب ايرادات النفط واحضاراها الي داخل بنية الاقتصاد الذي كان عاجزا بعد سنين الانقاذ العجاف الاولى وتخصيص هذه الموارد في انشطة انتاجية مستنيرة يكون فيها التفكير الإبداعي حاضراً. لقد تم اهمال الانتاج الزراعي وبقية الموارد الطبيعية والانتاج الصناعي، والاتجاه نحو الصرف الحكومي البذخي لذلك حلت علينا الإصابة بكل أعراض المرض الهولندي، ونتيجة لضعف إدارة عائدات الموارد تفاقم عجز الموازنة وانخفض مستوى المدخرات؛ وتم استيعاب هذه الايرادات لصالح مجموعات وافراد ضمتهم دوائر أو جماعات المصالح الفردية واللوبيات داخل الحزب الحاكم، أو الى الترضيات القبلية، أو بعض الافراد أو المجموعات داخل الجماعات المسلحة، وقطعاً كان ذلك على حساب خطط التنمية، وأظهر ذلك سلوكيات الفساد بين المسؤولين وواضعي السياسات وصانعي القرارات، واذا وجدت الشفافية والمعلومات حول تعامل الحكومة مع شركات استخراج النفط والعقود وحجم الانتاج والايرادات الحقيقية وبنود انفاق الايرادات فإن كل ذلك كان كفيلاً بالحد من الفساد. إن المرض الهولندي لا يتوقف على مجال الاقتصاد لكن تتعدى آثاره مجال الاقتصاد الى مجال الممارسة السياسية، وفي هذا المجال شخص (ريكى لام) و(ليونارد وانتشكون) عضوا مركز النمو الاقتصادي في جامعة بييل بعد اجراء بحوث ودراسات حول اعراض المرض الهولندي؛ شخصا الاعراض تحت عنوان المرض الهولندي والديكتاتورية كأسلوب لإدارة الحكم، واشارا في تلك البحوث إلى أن الثروات الطارئة الناتجة من موارد طبيعية ولها سوق ضخم في الأسوق العالمية تضفي على النظام والنشاط الاقتصادي ما يمكن وصفه بأنه (الطابع الريعي)، وهو طابع لا شك يدر أموالاً ولكنه يؤدي إلى تعطيل قوى العمل ومواهب الإبداع وأنشطة الإنتاج، وكلها تشكل أهم عناصر وعوامل التنمية والتقدم والازدهار؛ ويرى الباحثان أيضا أن تلك الثروات المتدفقة لا تؤدي فقط إلى إبطاء خطى النمو الاقتصادي الناتج عن العمل والإنتاج، بل تؤدي إلى ظهور اجواء سياسية تنمو فيها النزعات والحروب، وأساليب الحكم الديكتاتوري نتيجة لاجتماع الثروة والسلطة.
          ان زيادة الانفاق ابان ظهور البترول ادى الى اتجاه الحكومة الي الاقتراض فديون السودان خلال الفترة من 1989م- 1997م زادت بنحو 2.97 مليار دولار بينما زادت في الفترة 1998م- 2011م بنحو 5.48 مليار وهى فترة جنى ثمار تصدير البترول، ومن الواضح انه قد تم استخدام هذه القروض في الانفاق الجاري ولم يتم استثمارها وادى ذلك الى ظهور اعراض المرض الهولندي. ومنذ عام 2008م وحتى الآن تتسم هذه الفترة بالنمو السلبي للإنتاجية الكلية لعوامل الانتاج، وتقلص الاستثمار الاجنبي المباشر وتراجعت الثقة في بشكل عام. ويمكن تفسير شدة الانكماش بضخامة حجم رأس المال المادي والانتاجية الكلية لعوامل الانتاج في التنمية الاقتصادية قبل عام 2008م.
          أيضا حالة السودان ترتبط بما اطلق عليه الاقتصاديون (لعنة الموارد) وهي ظاهرة تبدو فيها عموماً أن الدول الغنية بالموارد الطبيعية يكون اداؤها اسوأ من الدول الاقل غنى بالموارد عكس ما يتوقع، وتقع فريسة لبطء النمو الاقتصادي، وضعف تنوع الاقتصاد، وانعدام مؤشرات الرفاه الاجتماعي وانتشار الفقر، وعدم المساواة، وانتشار الفساد، والحكم الفاسد، وانتشار الصراعات والحروب؛ وقدم الاقتصاديون دراسات عديدة لتفسير ظاهرة لعنة الموارد وايجاد تفسير للتخلص من اللعنة، والمشكلة أن الظاهرة ذات طبيعة سياسية في المقام الأول، لذلك اذا فهمنا القوى الاساسية التي تحرك الاوضاع في السودان يمكن الوصول الي فهم حقائق الوضع الراهن، وهذا الفهم يمكن ان يوصلنا الى ايجاد منظومة سياسية وابتكار اصلاحات مؤسساتية تحقق الاستخدام الامثل للموارد لمصلحة المواطن، ثم يلي هذا الفهم سياسات على مستوى الاقتصاد الكلي والجزئي يضمن الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية وبالتالي نحقق نمو حقيقي يقود الى اقتسام عادل للثروة والمنافع. ونؤكد هنا ان ايرادنا لمصطلح لعنة الموارد لا نقصد به أنه من الافضل للدول ان تكون مواردها اقل ولكن نقصد الاستخدام الامثل للموارد وتحسب فقدانها.  

الأربعاء، 3 أبريل 2019

الاقتصاد الاجتماعي ... خيار ناجع

        يعتبر مصطلح الاقتصاد الاجتماعي (Social Economy) مصطلحاً حديثاً ظهر أولاً في ألمانيا وفرنسا في ثمانينيات القرن الماضي، وفي مطلع القرن الحالي انتشر في بقية دول العالم، ويعتبر الاقتصاد الاجتماعي عمومًا قطاعًا ثالثًا من الاقتصاديات الرأسمالية المختلطة التي تختلف عن القطاعين العام والخاص؛ يعتمد الاقتصاد الاجتماعي على أنشطة تعاونية وغير ربحية وتطوعية في المقام الأول بدلاً من الأنشطة المدفوعة في المجتمعات المحلية وعبر الاقتصادات الوطنية والدولية. يشار إليها بشكل مختلف على أنها القطاع غير الربحي، واذا نظرنا الى فكرة الاقتصاد الاجتماعي بمعناها الحديث نجد انها ظهرت كمحصلة للنتائج الكارثية والصعوبات الاجتماعية الناشئة عن الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، كضرورة اجتماعية اقتضتها حالة المجتمع وضرورة معالجة اختلالات تلك الفترة الاجتماعية والمالية، لذلك يمكن تعريف الاقتصاد الاجتماعي من خلال مجموعة من الأهداف الاجتماعية المختلفة للمنظمات التي تتكون منها. ووفقًا للمفوضية الأوروبي، يتم تصنيف منظمات الاقتصاد الاجتماعي على أنها تعاونيات ومجتمعات تبادلية ومنظمات طوعية ومؤسسات اجتماعية؛ تعتمد جميعها على المشاركة والعضوية الطوعية، وتسترشد بأهداف اجتماعية بدلاً من السعي فقط لتحقيق عائد من تشغيل رأس المال. وبما أن هذا الاقتصاد ظهر في ظل أصعب الأزمات الاقتصادية فنحن في امس الحاجة اليه في السودان فهو اقتصاد قائم على قيم العدل والمساواة والتعاون، والالتزام بالتضامن الاجتماعي الذى يوسع مداركنا نحو البدائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمبادرات المتعلقة بالتجارة العادلة والتمويل ذو البعد الاخلاقي، والاستدامة البيئية؛ وتعمل الكثير من منظمات الاقتصاد الاجتماعي على تقديم الخدمات لأعضائها أو غيرها من المنظمات المجتمعية التي تهدف إلى خدمة المجتمع وليس السوق، وتشارك منظمات الاقتصاد الاجتماعي الأخرى المعروفة باسم المؤسسات الاجتماعية، في أنشطة تجارية من أجل إفادة أعضائها أو الذين تخدمهم. من خلال إعادة استثمار الفوائض والأرباح المكتسبة، أو توزيعها على مجموعات أصحاب المصلحة، أو استخدامها لصالح من تخدمهم وتدعمهم المؤسسة.

          ويمكن أن تشمل هذه الجمعيات مجموعة متنوعة من منظمات الاقتصاد الاجتماعي مثل اتحادات المزارعين والحرفيين، والجمعيات الخيرية والمؤسسات الخيرية، وجمعيات الأحياء والمنظمات المجتمعية، والنقابات العمالية، والاتحادات الرياضية، والمستشفيات، ومجموعات حماية المستهلك، والجماعات الدينية، المجموعات البيئية، المجموعات الفنية، والأندية الاجتماعية، والمنظمات السياسية، تعاونيات المنتجين، الجمعيات التعاونية والمهنية، وديوان الزكاة. ومن الامثلة الدولية شبكة التضامن الاقتصادي لأمريكا اللاتينية وتشمل، البرازيل والمكسيك والأرجنتين وبيرو ونيكاراغوا وبوليفيا وكولومبيا واسبانيا، وفي عام 2004م عقد المنتدى الاجتماعي العالمي في بومباي في الهند وأسفر عن ظهور 47 شبكة عمل لاقتصاد اجتماعي تضامني اقليمية ووطنية من مختلف قارات العالم. أما في المنتدى الاجتماعي العالمي الأخير في مارس 2018م بمدينة سالفادور البرازيلية، فلقد شكلت موضوعات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ثلث برنامج المنتدى بأجمعه.
         ومن أهم المبررات الفلسفية لحاجتنا لهذا الاقتصاد هي عجز الحكومة في التغلب على الصعوبات والتحديات التي تواجه مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ونحن نلحظ تواضع الأداء الاقتصادي بصورة خاصة، وبالتالي عدم تحقيق المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي استهدفتها الخطط الاقتصادية والاجتماعية منذ تبني الحكومة لمنهج الخصخصة واقتصاد السوق الحر. مع الابتعاد عن العمل ذي المنهج الواضح المخطط مع وجود العشوائية والارتباك في القرارات والسياسات النقدية والاجراءات الاقتصادية، لذلك نشهد الآن ضعف الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذى كان من ثماره المظاهرات التي يشهدها السودان حالياً؛ وتدني نسب النمو الاقتصادي وفشل السياسات الاقتصادية والنقدية في التصدي للتضخم، وهذا أدى الى تضاعف مستويات الفقر، اضافة الى عزوف المؤسسات المالية الدولية عن اقراضنا مما زاد من تفاقم مشكلاتنا الاقتصادية. وبما أن كثير من الدول ضمنت في دساتيرها الاقتصاد الاجتماعي،  لذلك نحن في أمس الحاجة الى اعتماد قانون وتشريعات خاصة بالاقتصاد الاجتماعي تضع اطار قانوني يغطى جميع مكونات الاقتصاد الاجتماعي ويوفر لها الحماية اللازمة لأداء دورها، ويعزز دورها مع القطاع العام والخاص لمعالجة المعضلات والاختلالات التي يعاني منها اقتصادنا. ونشير هنا الى ان الاقتصاد الاجتماعي لعب دوراً هاماً وبارزاً على المستوى الدولي سواءً من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، حيث فر الوظائف لنحو 5,14 مليون شخص في اوروبا وحدها، وأسهم بأكثر من 10 في المائة من الناتج المحلي لبلجيكا وفرنسا وهولندا، وساعد حوالى 25 مليون برازيلي في تخطي عتبة الفقر، ومن خلاله تم تحويل مؤسسات مفلسة في الارجنتين الى مؤسسات تعاونية مما مكن من الاحتفاظ بحوالي 10.000 وظيفة، وفي ايطاليا توجد حوالي 710 منظمة تعاونية وفرت وظائف لـ 23 الف شخص عاطل عن العمل. ايضاً نحن في امس الحاجة الى التنبيه الى اجراء ابحاث من خلال الجامعات ومراكز الابحاث العلمية بأهمية الاقتصاد الاجتماعي والفرص التي يوفرها، وعلى الحكومة. ويُنظر حالياً إلى مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي، والمنظمات غير الهادفة الي الربح على أنها باتت تلعب أدوارًا اقتصادية كبيراً في تلبية الاحتياجات التي لم تلبها قطاعات الاقتصاد الخاصة والعامة، والمنافسة مع المؤسسات الهادفة للربح، وتعزيز الإنتاجية الاقتصادية، وتحسين جودة تقديم الخدمات العامة، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير فرص العمل. بالإضافة إلى ذلك ، نظرًا لأن الاتجاهات العالمية تهدف إلى زيادة إنتاج الخدمات وخصخصة الخدمات الحكومية، ومن أهم مؤشرات إدراك فعالية الاقتصاد الاجتماعي في السياسات الاقتصادية الوطنية اهتمام العديد من الدول به مثل المملكة المتحدة وإسبانيا وفرنسا وكندا وعدد من بلدان أمريكا اللاتينية. وطور كذلك الاقتصاد الاجتماعي أشكالاً متعددة من وسائل الوصول إلى منظومة ائتمانية التي تعمل على الإدماج المالي، وابتداع أشكال من المدخرات الجماعية، والاتحادات الائتمانية، والخدمات المصرفية الأخلاقية والقروض متناهية  الصغر؛ مع اشراك مؤسسات مهمة مثل ديوان الزكاة لتفعيل دوره غير التقليدي بزيادة اساهمه في اخراج الفقراء من دائرة الفقر الى دائرة الانتاج. في الاقتصاد الاجتماعية الأولوية للفرد والاهداف الاجتماعية وليس رأس المال، العضوية الطوعية والمفتوحة، والارتكاز على الأسس الديمقراطية، الاستقلالية، وتخصيص الأرباح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 


الثلاثاء، 26 مارس 2019

المال واخلاقيات الممارسة الطبية


          منذ أمد بعيد نظمت الحضارة الانسانية الممارسات الطبية من خلال وضع ما يمكن ان نسميه دساتير للأخلاقيات، ويأتي أولها قسم ابقراط المعروف على نطاق واسع في القرن الخامس قبل الميلاد، ثم وصية صلاح الدين الكحال الحموي، هذا وقد طورت العديد من المجتمعات رموزًا ترشد الطبيب أخلاقياً، وبالتالي تحدد "الأخلاق المهنية"، أو ما يطلق عليه بلغة اليوم الاحتراف؛ وعلى الرغم من أن الاحتراف تم تعريفه وتدريسه في العديد من كليات الطب، إلا أن هذا التقليد لم يمارس لحماية الحقل من إساءة استغلال الطبيب له من خلال موقعه وفعله. وقسم ابقراط ووصية صلاح الدين هي مبادئ اخلاقية تتعلق بالمهن الصحية شاملة لقيم الدين، الفلسفة، الثقافة والعقائد على اعتبار ان هذه القيم هي منبع الأخلاق، وهى اخلاقيات لا يمكن حصرها بأي حال من الاحوال على جانب الممارسة الطبية فقط، وهي تشمل امور كثيرة تتعلق بالخدمة المقدمة والقيمة العادلة لها وحماية حقوق المريض، وأن لا تعامل الرعاية الصحية كأنها سلعة أو منتج الهدف منه الربح فقط؛ لكن نقول أن الطبيب (يبحث عن دخل)، فلا مشكلة في ذلك طالما ان نشاطه يتم وفق قيم ومبادئ واخلاقيات المهنة، ويقدم خدمة في بيئة السوق الحر؛ وهذه النظرة دافع عنها الاقتصاديون التحرريون امثال روبرت نوزك (Robert Nozick) وميلتون فريدمان (Milton Friedman) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، حيث قال ميلتون أن المسؤولية الاجتماعية الوحيدة للشركات هي زيادة ارباحها بقدر ما لا يوجد خداع أو احتيال.
          اذا نظرنا الى خدمات الرعاية الصحية نجد فيها الطبيب مقدم خدمة والمريض مستهلك لتلك الخدمة، ايضا بناء المستشفيات وتطوير الخدمات الطبية وشركات التأمين الصحي وهى جزء من هذه النظرة الاقتصادية الخاصة؛ لكن هذا الفهم وصفه بيليغرينو (Edmund Pellegrino) بأنه تجسيد للرعاية الصحية، حيث اثيرت اسئلة مثل هل الرعاية الصحية سلعة مثلها مثل السلع التي تباع، وهل تتحكم اخلاقيات السوق في الرعاية الصحية، وقال بيليغرينو أن الرعاية الطبية ليست سلعة لأن السلعة التي تباع في العادة لا تمثل علاقة بين البائع والمشتري وهى علاقة عابرة، وهذا لا ينطبق على علاقة الرعاية الصحية وتفاعل الطبيب والمريض؛ ايضاً وصف السلعة بأنها ملكية خاصة اي ان البائع يملك ما يبيعه وهذا لا ينطبق على سيناريو الرعاية الصحية حيث لا يملك الطبيب كامل ما يبيعه بمعنى أن المعرفة الطبية تتكون في إطار عقد اجتماعي بين المجتمع بشكل عام والطبيب، وقال أنه من الأفضل وصف الرعاية الصحية على أنها تشتمل على علاقة ائتمانية تعمل لصالح مستخدمها أي المريض.
          دفعنا لهذه المقدمة بعض الممارسات السالبة، التي انتظمت حقل الرعاية الصحية في السودان، وهى ممارسات ذات اثر مادي وطبي على المريض وأهله، وسوف نورد هنا بعض الأمثلة الشائعة؛ مثل قدوم المريض لمقابلة طبيب محدد في مستشفى معين، ويدفع الرسم المقرر للمقابلة ويجلس منتظراً وعند السماح له بالدخول يجد طبيباً آخر غير الذى جاء من اجله، وهو دفع مقابل مادى لطبيب محدد (سلعة ان جاز التعبير)، واشبهه بما يعرف في العرف التجاري (I isn't as described )؛ وهو مبدأ يتعلق بحق المريض في العلم بنطاق الخدمة وتوفرها، ومن حق المريض على موظف الاستقبال اخطاره مسبقاً بعدم وجود الطبيب المعني. أيضاً نلاحظ وجود فواتير او اوراق ذات ترويسة تخص طبيب في مستشفى آخر أو معمل تحليل معين أو صيدلية، يتم تعبئتها بمعرفة الطبيب لصالح جهة اخرى دون استشارة المريض أو مرافقيه، وهذا الاسلوب يدفع المريض الى جهة معينة لإجراء الفحص المطلوب أو التحليل، أو لشراء دواء من صيدلية محددة، وهذه ممارسة قديمة وشائعة؛ واذا احسنا الظن ربما تكون ممارسة لأطباء يتمتعون بأخلاقيات مهنية وهدفهم الوصول الى تحليل ذو كفاءة لكن نقول يجب اخطار المريض بالسبب حتى يكون على دراية وعلم؛ كذلك هناك ظاهرة جد شائعة وهى عدم الالتزام بالمواعيد سواءً لمقابلة المرضى او لإجراء العمليات فكثيرا يأتي بعض الاطباء متأخراً عن الموعد بساعات ويتعلل بأنه كان في مستشفى أخر، ويفترض أن تكون الخدمة في مواعيدها حسب القيمة المدفوعة ومواعيد العيادة، كما يتم الغاء كثير من العمليات الجراحية ليس لأسباب طبية ولكن لأسباب اخرى لا علاقة للمريض بها؛ ايضاً هناك ظاهرة طلب تحاليل أو فحوصات فوق المعدل بهدف تشغيل قسم معين لزيادة الايرادات في المستشفى أو مساعدة عيادة صديق أو في اطار انشاء شراكات مع مستشفيات او عيادات اخرى لا دخل للمريض بها، او ان الطبيب قليل الدراية والخبرة؛ وفي كلا الحالتين هي تحاليل لا ضرورة لها في احيان، تستنزف موارد المريض واهله؛ وهناك ظاهرة عدم احالة المريض الى الطبيب الأكثر خبرة والمختص عندما تتجاوز حالة المريض قدرات الطبيب الأول المهنية لإبقاء المريض في عيادته او المستشفى الذى يتبع للطبيب؛ وهناك ظاهرة الاعلان عن مستوى خدمة يختلف تماما عن المستوى الفعلي للخدمة الطبية أو مكان اجراء الخدمة الطبية، او الاعلان عن وجود طبيب قادم من بلد ماء خاصة البلاد الاوربية دون الالتفاف الى قدراته المهنية حيث تجد معلومة البلد القادم منه تسبق المعلومات الاخرى، ومحاول اظهار هذه المعلومة على انها تشكل ميزة اضافية لقدرات الطبيب، ايضاً يدفع بعض الاطباء المريض الى شراء دواء بعينه ولا يقبل غيرها حيث يكون له مصلحة مع شركة الادوية في شكل تذاكر سفر او هدايا.
          هذه المقالة ليست للإساءة الى اطباء بلادي لكن لإلقاء الضوء على بعض الممارسات التي تضر بالمريض في ظل هذه الظروف الاقتصادية؛ فمن الواجب حماية حقوق المريض، وخاصة مع تزايد حالات الاعتداء على الاطباء التي نرفضها وندينها بشدة، لكن ربما لها مسببات يرتبط بعضها بما ذكرناه من ممارسات في الحقل الطبي.

الأحد، 17 مارس 2019

الاقتصاد الدائري وتعزيز التنمية المستدامة


          الاقتصاد الدائري (Circular Economy) هو نظام اقتصادي يهدف إل اعادة بناء رأس المال وتحسين عوائد الموارد وتحقيق الاستفادة القصوى منها وذلك بالتقليل والحد من النفايات من خلال تدوير المنتجات والمواد الخام المستخدمة في جميع المراحل؛ هذا المنهج الاقتصادي التجديدي ربما يتناقض مع اساليب الاقتصاد الخطي التقليدي الذى يبحث في الاستخدام الامثل للموارد المادية والبشرية بغرض الربح، وهو يقوم على الانشطة البشرية التي تشمل الإنتاج والتوزيع وتبادل السلع واستهلاك السلع والخدمات، وهذا النشاط هو نموذج (خذ، اصنع، تخلص)، والامثل تعنى التعامل مع الموارد كأصول انتاجية حيث يتم تقييمها تقييماً نقدياً في السوق؛ ولا شك أن هذا النموذج هو نموذج استهلاكي بامتياز لا يراعى النتائج البيئية المدمرة سواء من ناحية استهلاك الموارد او النفايات، خاصة وأن التقارير والدراسات الدولية تشير الى ان 90 في المائة من المواد الخام المستخدمة في التصنيع تتحول إلى نفايات قبل أن يخرج المنتج من المصانع، و80 في المائة من المنتجات يتم التخلص منها خلال الأشهر الستة الأولى من الاستخدام. ولابد أن ننوه هنا الى ان الاقتصاد الدائري لا يتصدى بشكل مباشر لمشكلة الاضرار بالبيئة والتلوث، ولا مشكلة استنزاف الموارد الطبيعية؛ حيث ان هذه المشاكل تصدى لها فرع من علم الاقتصاد عرف بعلم الاقتصاد البيئي الذى يقيس الجوانب النظرية والتحليلية والمحاسبية للحياة الاقتصادية بهدف المحافظة على التوازن الذى يضمن النمو المستدام؛ وفي الاقتصاد الدائري يتم الانتاج بنظام دائري يتم فيه الحد من مدخلات المواد والنفايات والانبعاثات وتسرب الطاقة من خلال منظومة تشمل ابطاء استهلاك الطاقة واغلاق حلقات الطاقة والموارد (دورات حياة المنتج) بإعادة التدوير والاستخدام، وتحقيق منافع لكل من البيئة والاقتصاد، ويتطلب ذلك نظام طويل المدى.
          يشير انصار الاقتصاد الدائري إلى أن أهداف الاستدامة لا تعني انخفاضاً في نوعية الحياة للمستهلكين، ويمكن تحقيق الاستدامة دون خسارة في الإيرادات أو زيادة في التكاليف الصناعية؛ على اعتبار أن نماذج الأعمال الدائرية يمكن أن تكون مربحة من خلال علاقات المتغيرات الاقتصادية المنطقية والكمية التي يرتبط بعضها ببعض، مما يسمح بالاستمرار في التمتع بمنتجات وخدمات مماثلة. ومثال على ذلك البلاستيك في الاقتصاد الدائري بتعديل طريقة إنتاج المنتجات البلاستيكية، بحيث يتم إنتاجها واستخدامها وإعادة تدويرها من خلال استراتيجية تتخذ في مجملها إجراءات لتحسين اقتصاديات إعادة تدوير البلاستيك؛ للحد من النفايات البلاستيكية والقمامة؛ ولدفع الاستثمارات والابتكار؛ وتسخير الجهود للحد من تسرب المواد البلاستيكية إلى البيئة. وحتى ينتقل السودان إلى الاقتصاد الدائري لابد من وضع استراتيجية وتكوين منصة لأصحاب المصلحة الاقتصادية الدائرية لتكون بمثابة مساحة افتراضية مفتوحة تهدف إلى تعزيز الاستدامة من خلال تسهيل الحوار حول السياسات بين أصحاب المصلحة ونشر والتعريف بالأنشطة والمعلومات والممارسات الجيدة في الاقتصاد الدائري. ويمكن لأصحاب المصلحة المشاركة في المنصة من خلال المشاركة في المؤتمرات والتفاعل مع الانظمة والمنظمات العالمية واكتشاف الممارسات الجيدة، والتواصل مع أصحاب المصلحة الآخرين حول العالم ومشاركتهم تجاربهم، ايضاً المساهمة في جمع أفضل الممارسات في الاقتصاد الدائري، لزيادة الوعي حول الاستراتيجيات الخاصة بممارسات الاقتصاد الدائري الإقليمية والدولية، وتحديد التحديات والفرص للانتقال إلى الاقتصاد الدائري بين صناع السياسات والشركات والنقابات والمجتمع المدني.   
          ايضاً ايجاد إطار التشريعي بشأن النفايات، ووضع أهداف قومية واضحة للحد من النفايات وإنشاء مسار طموح طويل الأجل لإدارة النفايات وإعادة تدويرها، ويجب أن تتضمن العناصر الرئيسية المقترحة للنفايات أهدف لإعادة التدوير إعادة تدوير نفايات التغليف التي تشمل مواد الورق والكرتون، المعادن الحديدية، الألومنيوم، الزجاج، البلاستيك، الخشب. ايضاً وضع متطلبات الزامية يتم فيها تحديد الحد الأدنى من المتطلبات وتوسيع نطاق مسؤولية المنتجين لتحسين اطر الحوكمة وفعالية التكلفة؛ كما يجب تعزيز الوقاية وأهدافها على وجه الخصوص من خلال اتخاذ تدابير محددة لمعالجة فضلات الطعام والمخلفات العضوية لإنتاج الغاز الحيوي الذي يمكن ترقيته بسهولة إلى غاز طبيعي، كما يمكن تحقيق المزيد بمعالجة مركبات الفضلات العضوية المتبقية وتحويلها إلى أسمدة عضوية عالية الجودة تحل محل الأسمدة الكيميائية لإعادة خصوبة التربة، لا سيما في الاراضي الزراعية المنهكة؛ ويمكن استخدام التقنية ذاتها بل والبنية التحتية ذاتها للمعالجة المشتركة للنفايات العضوية المحلية الصلبة وترسبات المصارف؛ ويعد الاستثمار المبدئي في إنشاء مراكز للطاقة الحيوية واحد من العديد من الاستثمارات المصاحبة لإنشاء مكبات القمامة، كمثال لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تسعى اليها الأمم المتحدة. ونذكر هنا ان الاقتصاد الدائري واهدافه لا تتقاطع مع مصالح اصحاب الاعمال التجارية، بالنظر الي الإيجابيات التي تتمثل في الإسهام في توفير التكاليف، وايجاد مصادر جديدة للدخل، وتعزيز العلاقات مع أصحاب المصالح، إضافة إلى تعزيز دور الشركات في منظومة الاستدامة وتعزيز علاماتها التجارية وابتكاراتها في ظل اطر حقوق الملكية الفكرية. ومن ضمن الاستراتيجيات على سبيل المثال لا الحصر، استراتيجيات الطاقة المتجددة، كخطط استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتحويل الكتلة الحيوية إلى طاقة، للحد من الاعتماد على المحروقات.
          ووفقا لدراسات صينية حول التنمية المستدامة فإن تطوير الاقتصاد الدائري في الصين سيسهم في إطلاق سبع صناعات جديدة وهي صناعة البيئة، وإعادة تدوير المخلفات، وتوفير الطاقة وخفض استهلاكها، والطاقة المتجددة، والصحة، والاقتصاد الخدمي، والتصميم والابداع والابتكار. ايضاً جاء في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي ومؤسسة الين مكارثر أن حجم الاقتصاد الدائري سوف يصل الي تريليون دولار بحلول عام 2025م، وسيولد 100 ألف وظيفة جديدة خلال خمس سنوات. وجاء أيضا في تقرير آخر للمفوضية الأوروبية أن الاقتصاد الدائري سيحد من انبعاثات الكربون في الاتحاد الأوروبي وحدها بما يقارب 450 مليون طن سنويا، وتحقيق منفعة تصل إلى 4.1 تريليون يورو بحلول عام 2030م. فمتى نتبنى المنهج الفكري ونلحق بركب الاقتصاد الدائري لتحقيق الاستدامة والاستفادة اقتصادياً منه والاسهام في التصدي للبطالة وتقليل الكلفة البيئية.

أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي

د. عمر محجوب محمد الحسين https://sudanile.com/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%...