الاثنين، 16 سبتمبر 2024

معايير ومقاييس الانضمام إلى عضوية بريكس (BRICS)

د. عمر محجوب محمد الحسين
دارت نقاشات في الفترة الأخيرة حول ضرورة انضمام السودان إلى مجموعة بريكس (BRICS) ما بين مؤيد وما بين مذكر بقدرات السودان ووضعه الاقتصادي مقارنة مع الدول الأعضاء في المجموعة التي تسعى لاستقطاب الدول ذات الاقتصادات القوية وذات التأثير الإقليمي والدولي، وحتى تتضح الصورة نسوف نستعرض معايير ومتطلبات الانضمام إلى مجموعة بريكس. يذكر أن السودان كان ضمن قائمة الدول التي تقدمت بطلبات رسمية للانضمام إلى بريكس ضمت أيضا البحرين والكويت والمغرب وفلسطين، لكن لم تشمل القائمة الرسمية للدول المرشحة السودان بسبب الحرب.
البريكس (BRICS) هو اسم مجموعة الشراكة التي أسستها البرازيل (Brazil) وروسيا (Russia) والهند (India) والصين (China) وجنوب إفريقيا (South Africa)، عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة في يونيو 2009م حيث تضمنت القمة الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. تكون الاسم من الحروف الأولى للدول المؤسسة بريك (BRIC)، ثم تم اضافة حرف (S) بعد انضمام جنوب أفريقيا للمجموعة في عام 2010م، وهناك مقترح لتعديل الاسم ليصبح «بريكس بلس» (BRICS Plus)‏ في 24 أغسطس 2023 خلال قمة البريكس المنعقدة في بلده عن قبول انضمام خمس دول جديدة للبريكس وهي السعودية، الإمارات، مصر، إثيوبيا، إيران، وذلك اعتباراً من 1 يناير2024م مجموعة البريكس هي شراكة متساوية بين بلدان متنوعة ذات وجهات نظر وتوجهات مستقلة، وتمثل 41 بالمئة من سكان العالم، و40 بالمئة من مساحته و24 بالمئة من الاقتصاد العالمي و16 بالمئة من التجارة العالمية، وبحجم اقتصاد يبلغ 28.3 تريليون دولار.
منذ إنشائها على مستوى وزراء الخارجية في عام 2006، وقمة مجموعة البريكس الأولى في عام 2009 والتوسع في عام 2010، تطورت مجموعة البريكس من خلال روح الاحترام المتبادل والتفاهم والمساواة والتضامن والانفتاح والشمول والإجماع، والتعاون المتبادل في المنافع والتبادلات الوثيقة بين أعضاء المجموعة. طورت الدول الأعضاء في مجموعة البريكس قيمًا ومصالح مشتركة تشكل أساسًا للتعاون المتبادل المنفعة ورؤية مشتركة لعالم أفضل من وجهة نظر أعضاء المجموعة. تتخذ الدول الأعضاء في مجموعة البريكس جميع القرارات بالتشاور الكامل والإجماع. يعتمد الهيكل المالي لبريكس على عنصرين رئيسيين الأول هو بنك التنمية الجديد (NBD - New Development Bank)‏ ويشار إليه أحياناً باسم بنك تنمية البريكس (BRICS Development Bank)‏ والثاني ترتيبات احتياطي الطوارئ (CRA - Contingent Reserve Arrangement)‏، وتم توقيع الاتفاقيات الخاصة بكل منهما في عام 2014م وتم تفعيلهما عام 2015م.
أما فيما يخص أنظمة الدفع والتحويلات المالية الخاص بمجموعة بريكس (BRICS payment system) تم مناقشتها أول مرة في قمة بريكس 2015م في روسيا، حيث بدأ وزراء من دول المجموعة، بإجراء مشاورات حول نظام الدفع الذي سيكون بديلاً لنظام سويفت يمكن من الدفع والانتقال إلى التسويات بالعملات وطنية، وهو نظام دفع متعدّد الأطراف متعدّد الجنسيات من شأنه توفير قدر أكبر من الاستقلالية، ويوفر ضمانة أكيدة لـ "بريكس". كما بدأ البنك المركزي الروسي (المعروف اختصارا (CBR) بمشاورات مع دول بريكس لنظام الدفع الذي سيكون بديلا لنظام سويفت.
بدأت الصين أيضا في تطوير نظام الدفع الخاص بها والذي يسمى نظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك((CIPS) (Cross-Border Inter-Bank Payments System والذي سيكون بديلاً لنظام سويفت العالمي للتحويلات المالية، وهو نظام مدفوعات بديل مخطط لنظام (SWIFT) من شأنه أن توفر شبكة تمكن الشعوب في جميع أنحاء العالم لإرسال واستقبال المعلومات حول المعاملات المالية في بيئة آمنة وموحدة وموثوقة.

بعد أن قدمت كل من الجزائر ومصر والسعودية والإمارات بالإضافة إلى البحرين والكويت والمغرب وفلسطين، طلبات رسمية للانضمام إلى بريكس من بين 23 دولة قامت بالخطوة نفسها اتفقت الدول الأعضاء في مجموعة البريكس على مبادئ توجيهية ومعايير وإجراءات لتوسيع عضوية مجموعة البريكس خلال قمة البريكس الخامسة عشرة في جوهانسبرغ، جنوب إفريقيا، من 22 إلى 24 أغسطس 2023م.
فيما يلي المعايير والمقاييس التي أقرتها الدول الأعضاء لتوسيع عضوية مجموعة البريكس:
يجب على الدولة العضو الجديدة في البريكس أن:
1- تتوافق مع المبادئ التوجيهية للبريكس.
2- تساهم في تعزيز البريكس.
3- تكون دولة ناشئة أو نامية ذات نفوذ إقليمي واستراتيجي عالمي.
4- تتوافق مع القيم والمبادئ التأسيسية للبريكس بما في ذلك روح التضامن والمساواة والاحترام المتبادل والتفاهم والانفتاح والشمولية والتعاون المتبادل المنفعة والإجماع.

5- أن يكون لها علاقات دبلوماسية ودية مع جميع الدول الأعضاء حاليا في البريكس.
6- ألا تفرض عقوبات غير معتمدة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الدول الأعضاء الحاليين في البريكس.
7- أن تلتزم بتعزيز السلام والأمن الدوليين والإقليميين، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة، والنمو الاقتصادي العالمي من خلال تعزيز الروابط التجارية والاستثمارية، وأن تكون دولة عضوًا في الأمم المتحدة تدعم التعددية، وتلتزم بإصلاح الحوكمة العالمية وتحترم القانون الدولي.
8- تدعم الإصلاح الشامل للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن التابع لها، بهدف جعله أكثر ديمقراطية وتمثيلاً وفعالية وكفاءة، وزيادة تمثيل البلدان النامية في عضوية المجلس حتى يتمكن من الاستجابة بشكل مناسب للتحديات العالمية السائدة ودعم التطلعات المشروعة للدول الناشئة والنامية من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بما في ذلك البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، للعب دور أكبر في الشؤون الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن التابع لها.
9- الالتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
10- التمتع بمكانة اقتصادية قوية وتأثير إقليمي وعالمي.
11- إقامة علاقات تجارية كبيرة مع الدول الأعضاء الحالية في مجموعة البريكس.
12- دعم نظام تجاري متعدد الأطراف مفتوح وشفاف وشامل وغير تمييزي وقائم على القواعد المنصوص عليها في منظمة التجارة العالمية.
13- قبول بيانات وإعلانات مجموعة البريكس كتعبير عن رؤية مجموعة البريكس ومبادئها وأهدافها.
14- قبول مذكرات التفاهم وأطر العمل والخطابات المعبرة عن النوايا والاتفاقيات والآليات ودورات العمل الخاصة بمجموعة البريكس، و
15- قبول أساليب عمل مجموعة البريكس كما هو موضح في الشروط المرجعية التي اعتمدها خبراء مجموعة البريكس وأقرها زعماء مجموعة البريكس.
رغم امتلاك الجزائر بعض المقومات التي تمثل إضافة لبريكس، فهي أكبر بلد إفريقي عربي من حيث المساحة وأكبر مُصدر للغاز الطبيعي في إفريقيا، ورابع أكبر اقتصاد في القارة السمراء، وديونها الخارجية شبه معدومة، ما يمنحها استقلالية أكبر في صناعة القرار. لكن رغم ذلك لم تمنح عضوية بريكس. كانت إحدى العقبات أمام انضمام الجزائر إلى منظمة بريكس، تواضع ناتجها الداخلي الخام الذي بلغ 163 مليار دولار في 2021، وفق بيانات البنك الدولي، بينما يبلغ الناتج الداخلي الخام لجنوب إفريقيا (عند طلب الجزائر الانضمام كان أصغر اقتصاد في مجموعة بريكس) 419 مليار دولار، أي مرتين ونصف ضعف الاقتصاد الجزائري. يذكر أن الرئيس الجزائري شارك في قمة بريكس الماضية التي عقدت في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023م، وسبق له أن شارك في قمة بكين التي جرت عبر الفيديو في 23 يونيو 2022م.
يبدوا أن طريق الانضمام لمجموعة (BRICS) سوف يكون طويلا بالنسبة للسودان لعدة عوامل اقتصادية، وأمنية وسياسية، وحالة عدم الاستقرار التي تلازم السودان منذ عقود، بالإضافة إلى عدم وجود بعد وتخطيط استراتيجي فيما يخص علاقات السودان الخارجية سواء على الصعيد الاقتصادي أو الدبلوماسي.


أثر جودة التدقيق الداخلي في محاربة الفساد في القطاع العام القطري



https://journals.ajsrp.com/index.php/jeals/article/view/7734

الخميس، 12 سبتمبر 2024

انهيار سعر صرف الجنيه ورأى البصيرة أم حمد

انهيار سعر صرف الجنيه ورأى البصيرة أم حمد
 
د. عمر محجوب محمد الحسين
 
أن سعر صرف العملة هو أحد أهم العوامل المحددة للمستوى النسبي للحالة الاقتصادية لأي بلد. يشغل انهيار سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية كثير من السودانيين المكتوين بنار ارتفاع سعر صرف الدولار بما في ذلك الاقتصاديين كأنه عامل رئيس وليس عرض للحالة المرضية لتدهور الاقتصاد، بصورة تمنع النظر بصورة شاملة وموضوعية إلى الأسباب الحقيقية وراء حركة تراجع قيمة الجنيه السوداني منذ سبعينيات القرن الماضي، من جانب آخر عطل هذا الانشغال القدرات الإبداعية في التفكير والاتجاه نحو آفاق جديدة لحل إشكالات اقتصاد السودان.
            يعزى تراجع قيمة الجنية السوداني أمام العملات الأجنبية بسرعة في هذه الفترة إلى حالة الحرب المدمرة التي يعيشها السودان منذ ابريل 2023م، وتراجع عائدات الصادرات، وتحويلات السودانيين في الخارج، وانتقال العملات الأجنبية الى خارج السودان، بالإضافة الى شراء العملات الأجنبية في الخارج عبر وكلاء السوق السوداء وتحديدا في منطقة الخليج (من خلال تطبيق بنكك) ومن خلال المليشيا التي تمتلك أموالا تم نهبها من البنوك والمحل التجارية والشركات ومن المواطنين. أيضا ارتفاع معدلات التضخم لعدم وجود استقرار اقتصادي أو سياسي، من جانب آخر يشكل تفاقم عجز الميزان التجاري بين الدولة وشركائها التجاريين الخارجيين عقبة أمام تحسن سعر صرف الجنيه في المديين القصير والطويل.
                  في ظل هذه الحرب هل الدولة لديها القدرة على إدارة احتياطيات النقد الأجنبي، وهل هي قادرة على التدخل المباشر للتأثير على سوق العملات، وهل هي قادرة على منع شراء العملات من الخارج عبر وكلاء السوق السوداء في بلاد المهجر، أخيرا هل الجنيه ذو قيمة أعلى تجعل واردات السودان أقل تكلفة وصادراتنا أكثر تكلفة في الأسواق الخارجية، وهل الدولة في ظل هذا التراجع الاقتصادي والصرف على الحرب قادرة على تكوين احتياطي من الذهب ؟.
                  ان إجراءات الدولة تكون ناجزة في حال تمتعها باقتصاد قابل للنمو ومتحرك، على سبيل المثال يمكن ان يكون سعر الصرف وسيلة متحكم فيها للحفاظ على الاحتياطيات من النقد الأجنبي، ويمكن التأثير على سعر الصرف ضمن السياسات المالية لتحفيز وتعزيز النمو الاقتصادي (كحالة الصين في بعض الفترات).

                  ان وقف تدهور سعر صرف الجنيه امام العملات الأجنبية لا يجدي معه إجراءات أمنية أو توقع وديعة من دولة ما، ونشر اشاعات القصد منها التأثر على سعر الصرف لأن أثرها سوف يكون في مدى اقل من قصير (وهذه اجراءات أقل كفاءة من رأي البصيرة أم حمد). يتطلب وقف التدهور الاقتصادي وعامل تراجع سعر صرف الجنيه وقف الحرب، ثم تدخل الدول في سعر الصرف في المدى القصير، اتباع سياسة نقدية تبقى التضخم في مستوى معقول، تنمية الصادرات، خفض الواردات وبالتالي الحد من تراكم الدين الخارجي، اصدار سندات دين بالجنيه، ضرورة سعي البنك المركزي لتقليل المعروض من النقود وجعل الاقتراض أكثر كلفة، الوصول الى تفاهمات مع الدائنين من أجل اعفاء ديون السودان، التحكم في انتاج الذهب ووضع استراتيجية للتعامل مع التعدين الأهلي (حالة غانا) ووضع استراتيجية لمنع تهريب الذهب، وضع خطة عاجلة جدا لجذب الاستثمارات الأجنبية (رغم اتباع الدول المتقدمة سياسة التشديد النقدي، كما أن تراجع النشاط الاقتصادي العالمي وانخفاض عوائد الاستثمار على مستوى الاقتصادات العربية من خلال تراجع الصادرات وتدفقات الاستثمار الأجنبي وأسعار الصرف الحقيقية). التحكم والتأثير على سعر صرف العملات الأجنبية يتطلب استراتيجية طويلة المدى وليس على إجراءات ردود الأفعال.


الاثنين، 9 سبتمبر 2024

دول بريكس ... خروج على نظام سويفت

 
دول بريكس ... خروج على نظام سويفت
د. عمر محجوب محمد الحسين
تقترب -رويدا رويدا- دول بريكس (BRICS) من إطلاق نظام دفع بينها بديلا عن نظام  سويفت((SWIFT، هذه التحركات نحو إيجاد نظم بديلة للتحويلات المالية والدفع ما هي إلا نتيجة لاستخدام الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية لنظام سويفت كوسيلة لفرض عقوبات على دول مثل روسيا وإيران وكوريا وكوبا، والسودان وسوريا والعراق واليمن الجنوبي وليبيا (هذه الدول العربية رفع عنها الحظر عدا سوريا)، وربما تستخدم ضد أي دولة أخرى في العالم إذا تم تصنيفها بمعايير الولايات المتحدة الامريكية دولة إرهابية او راعية للإرهاب أو دولة معادية، يتزامن ذلك مع اجراء روسيا مفاوضات مغلقة مع الشركاء حول كيفية تنفيذ المعاملات المالية دون استخدام خدمة سويفت. هناك نظام لنقل الرسائل المصرفية تابع للمصرف المركزي الروسي، وتملك كذلك طورت الصين نظامًا يُعرف باسم نظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك (CIPS)، وإيران ودول أخرى نظم خاصة بها. ترغب روسيا في رؤية هذه الأنظمة متكاملة عبر كتلة بريكس، لكن القضية الأكثر حساسية هي كيفية الجمع بين هذه المنظومات أو الاتفاق على الأساس قويا يمكن البناء عليه، لأن هذه النظم تعتبر جزءا من السيادة المالية لتلك البلدان. لكن تظل المفاوضات مستمرة بشكل ثنائي وبدرجة عالية من السرية.
تمتثل سويفت -بشكل كامل- لجميع قوانين العقوبات المعمول بها والتي تصدرها الولايات المتحدة الامريكية، رغم أن سويفت تقول إن مسؤولية ضمان امتثال المعاملات المالية الفردية لقوانين العقوبات تقع على عاتق المؤسسات المالية التي تتعامل معها والسلطات المختصة لديها فهي مجرد شركة تقدم خدمة الرسائل ولا تتدخل في المعاملات المالية الأساسية التي يذكرها عملاؤها من المؤسسات المالية في رسائلهم ولا تتحكم فيها. هذا الزعم لا يأتي ذلك إلا في إطار حماية الدول الغربية التي تدير وتشرف على نظام (SWIFT) بحيث تقع العقوبات المالية الضخمة على الدول والمؤسسات المالية والبنوك التي تخالف تلك العقوبات.
نظام سويفت (SWIFT)  عبارة عن شبكة مراسلة ومنصة اتصالات واسعة النطاق وهي اختصار لـ Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunications تستخدمها المؤسسات المالية والبنوك لإرسال واستقبال المعلومات الخاصة بأوامر تحويل الأموال وغيرها من المعلومات بسرعة ودقة وأمان. يدعم نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك سويفت معظم التحويلات المالية والأمنية الدولية. يتعبر نظام سويفت نظام تعاوني مملوك للأعضاء يسيطر عليه مساهميه (مؤسسات مالية وأعضاء معروفين). يتم الإشراف على سويفت من قبل البنوك المركزية لمجموعة الدول العشر(G10) ، هذه الدول هي بلجيكا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وهولندا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، تعمل الدولة الأوروبية بلجيكا كمشرف رئيس إلى جانب أعضاء آخرين مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

قبل سويفت، كان التلكس هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لتأكيد الرسائل لتحويل الأموال الدولية، كان البطء، والمخاوف الأمنية، وتنسيق الرسائل المجاني، سبباً في إعاقة خدمة التلكس. بعبارة أخرى، لم يكن لدى التلكس نظام موحد من الرموز مثل سويفت لتسمية البنوك ووصف المعاملات. كان على مرسلي التلكس وصف كل معاملة في جمل يفسرها المتلقي وينفذها، وقد أدى هذا إلى العديد من الأخطاء البشرية، فضلاً عن بطء الوقت المستغرق في معالجة كل معاملة. وفقاً لمدرسة لندن للاقتصاد، بدأ تطوير أول شبكة مشتركة بشكل مؤسسي في أواخر الستينيات، عندما تأسست شركة Société Financière Européenne (SFE)، وهو اتحاد كان يضم ستة بنوك رئيسة مقرها في لوكسمبورج وباريس، وبدأ "مشروع تبادل الرسائل" وصاحبته مشاكل حقيقية، وللتغلب على هذه المشاكل، تم تشكيل نظام سويفت في عام 1973 بين 239 بنكا في 15 دولة حول العالم، وبحلول نهاية عام 1974، اكتمل التصميم الأولي للشبكة التي طال انتظارها، وبعد عملية اختيار شاملة، تم اختيار شركة Burroughs Corporation من ديترويت بالولايات المتحدة الأمريكية، لتزويدها بمعدات الكمبيوتر وتثبيت النظام. باعتبارها شبكة الاتصالات المالية العالمية بين البنوك ومقرها في بلجيكا، بدأت خدمات الرسائل الخاصة بسويفت العمل في عام 1977، بحلول عام 2022، توسعت سويفت إلى أكثر من 11 ألف عضو من أكثر من 200 دولة ومنطقة.


على الرغم من وجود خدمات رسائل أخرى مثل Fedwire وهي مسجلة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وRipple التي تم إنشاؤها بواسطة شركة "Ripple Labs Inc"، وهي شركة تكنولوجيا مقرها الولايات المتحدة، كما يطلق عليه بروتوكول المعاملات ريبل (RTXP) أو بروتوكول الريبل، فهو مبني على بروتوكول إنترنت موزع ومفتوح المصدر، وسجل توافقي وعملة أصلية تسمى XRP)) ريبل، ونظام Clearing House Interbank Payments System (CHIPS) وهو مركز مقاصة خاص بالولايات المتحدة للمعاملات ذات القيمة الكبيرة، إلا أن سويفت تظل مهيمنة في السوق. يمكن أن يُعزى النجاح إلى أمان المنصة، وحقيقة أنها تضيف باستمرار أكواد رسائل جديدة لنقل المعاملات المالية المختلفة.

 صمم مؤسسو شبكة سويفت في البداية لتسهيل الاتصال بشأن معاملات الخزانة والمراسلة فقط، ثم سمح تصميم تنسيق الرسائل القوي بالتوسع الهائل الذي توسعت من خلاله سويفت تدريجيًا لتقديم الخدمات إلى ما يلي:


البنوك والمؤسسات المالية: توفر سويفت منصة آمنة وموحدة للبنوك والمؤسسات المالية لتبادل الرسائل المالية وتسهيل المعاملات عبر الحدود. وتمكنها من تبسيط عمليات الدفع لديها، وخفض التكاليف التشغيلية، وتعزيز الكفاءة في التعامل مع المدفوعات الدولية.
الشركات والأعمال التجارية: تستفيد الشركات والأعمال التجارية من سويفت من خلال الاستفادة من شبكتها لعمليات الخزانة الآمنة والفعّالة وإدارة النقد وتمويل التجارة الدولية. تمكنها خدمات سويفت من تسهيل المدفوعات للموردين، واستلام الأموال من العملاء، وإدارة معاملاتهم المالية العالمية بشكل أكثر فعالية.
الموظفون الدوليون: يستفيد الموظفون الدوليون الذين يعملون في دول أجنبية من سويفت لأنه يمكّن أصحاب العمل من تحويل الرواتب والمزايا المالية الأخرى بسهولة وأمان إلى حساباتهم المصرفية في بلدانهم الأصلية. تضمن سويفت تحويلات الأموال في الوقت المناسب وبشكل موثوق، مما يسمح للموظفين الدوليين بدعم أسرهم وتلبية الالتزامات المالية عبر الحدود.
مزودو خدمات التحويلات: تلعب البنية الأساسية لسويفت دورًا حاسمًا في تسهيل التحويلات الدولية. يمكن لمزودي خدمات التحويلات الاستفادة من سويفت لتحويل الأموال عالميًا، مما يمكن الأفراد من إرسال الأموال إلى بلدانهم الأصلية ودعم أسرهم.
السلطات التنظيمية: تفيد تدابير الامتثال والأمن الخاصة بسويفت السلطات التنظيمية من خلال مساعدتها في مكافحة الجرائم المالية مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تساهم معايير المراسلة والشفافية التي تتبناها سويفت في فعالية الرقابة التنظيمية وتعزيز نزاهة النظام المالي العالمي.
يذكر أن بعض البلدان تستخدم رقم الحساب المصرفي الدولي آيبان (IBAN) لتحديد الحسابات المصرفية الدولية عبر الحدود الوطنية، اعتمدتهُ في الأصل اللجنة الأوروبية للمعايير البنكية، ثم اعتُمد بعد ذلك معيارًا دوليًا، لكن الولايات المتحدة لا تشارك في رقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN).

بدأت سويفت بدأت في المقام الأول لتعليمات الدفع البسيطة، إلا أنها ترسل حاليا رسائل مختلفة، بما في ذلك المعاملات الأمنية والخزانة والتجارة والنظام. في أحدث تقرير لـ سويفت في ديسمبر 2022، أظهرت البيانات أن معظم حركة مرور سويفت لا تزال لرسائل الدفع (44٪) والأوراق المالية (51٪)، أما البقية الأخرى من تدفقات حركة مرور المعاملات هي لمعاملات الخزانة والتجارة والنظام، حيث يتم إرسال 44.8 مليون رسالة (FIN) يوميًا عبر نظام سويفت حيث تستخدم الأنظمة المالية في جميع أنحاء العالم الشبكة لإرسال كل شيء من المدفوعات والأوراق المالية والسندات عبر العالم.


تمكنت اتصالات سويفت من الوصول إلى تطبيقات مختلفة مؤخرًا في مجال الذكاء الاصطناعي وقدمت لوحات للمعلومات وأدوات إعداد تقارير تمكن عملائها من الحصول على عرض ديناميكي في الوقت الفعلي لمراقبة الرسائل والنشاط وتدفق التجارة وإعداد التقارير، توفر تلك التقارير امكانية التصفية بناءً على المنطقة والبلد وأنواع الرسائل والمعلومات ذات الصلة.
                  تستطيع دول بريكس الخروج من مظلة نظام سويفت إذا كانت هناك جدية وارادة من دول المجموعة، وهذا يحتاج إلى وقت خاصة وأن اموال معظم دول المجموعة وتعاملاتها هي بالدولار، فمثلا التجارة بين الولايات المتحدة والصين سجلت رقما قياسيا بلغ 690.6 مليار دولار أمريكي في عام 2022م، وحجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين يبلغ حوالي 856.3 مليار يورو (912.6 مليار دولار)، وهذا يشير إلى نمو تجاري قوي رغم دعوات وخطاب فك الارتباط، أما الهند تبلغ قيمة تجارتها من السلع مع الاتحاد الأوربي نحو 68 مليار دولار، وجاءت الولايات المتحدة الأميركية كأكبر الشركاء التجاريين للهند خلال العام المالي 2021-2022، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما 119.42 مليار دولار،  لذلك سوف تحتاج المجموعة إلى وقت طويل للانتقال إلى قاعدة وأرصدة مقدرة من عملات دول المجموعة، مع زيادة حجم التبادل التجاري فيما بينها، وتحديد وحدة حساب لقياس قيمة عملات دول المجموعة وهذا يجعل "تقلبات أسعار صرف الدولار وغيره من العملات الرئيسة لن تؤثر على أسعار الصرف المتبادلة بين عملات البريكس"، وإقناع الدول خارج المجموعة باستخدام نظام الدفع المزمع لإجراء التعاملات والتحويلات المالية مع دول المجموعة، خاصة وأن دول بريكس تسيطر على 50٪ من طاقة العالم، وعلى 40٪ من المنتجات الصناعية، وعلى معظم إنتاج الغذاء العالمي، بالإضافة إلى أن أكثر من  40 دولة أعربت عن اهتمامها بعضوية بريكس.

أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي

د. عمر محجوب محمد الحسين https://sudanile.com/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%...