السبت، 27 أكتوبر 2018

قطر تميز اقتصادي ومؤسساتي

          قد يظن البعض ان تميز دولة قطر الاقتصادي حدث بفعل انتاج الغاز والبترول فقط، لكن قطر لديها تميز مؤسسي وذكاء اقتصادي، وتمتلك كفاءات اقتصادية وادارية ومالية استطاعت خلال ثلاثة عشر عاماً أن تجعل الاقتصاد القطري في مقدمة اقتصاديات دول المنطقة، وتجعله لا يتأثر بتقلبات اسعار الطاقة أو أي حصار القصد منه الاضرار بها كما يحدث حالياً؛ وتجعل دخل الفرد القطري الأعلى في العالم حسب تصنيف مجموعة البنك الدولي للعام 2019م؛ واستند تصنيف البنك الدولي على تأثر نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي ومستوى النمو الاقتصادي المسجل إضافة إلى معدلات التضخم وسعر صرف الريال القطري ومؤشرات التركيبة السكانية. وكان اهم مؤشرات الذكاء الاقتصادي الاهتمام بعملية الرصد سواءً للمحيط الإقليمي او الدولي في محاوره التنافسية، والتكنولوجية، والتجارية؛ بالإضافة الي اليقظة الاقتصادية.
          فمنذ عام 2005م أنشأت دولة قطر صندوقاً سيادياً للثروة وهو جهاز قطر للاستثمار الذى يراسه سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امير دولة قطر، وهو صندوق تم انشاؤه للاستثمار المحلي والعالمي من خلال ادارة اموال النفط والغاز الطبيعي وادارة مخاطر الاعتماد فقط على اسعار الطاقة وتقلباتها، من خلال معالجة المعلومات المفيدة للشركاء الاقتصاديين لصياغة استراتيجياتهم المالية؛ ومن خلال الفائض السنوي من موازنتها، حيث أن من مهام الجهاز دعم تطوير تنافسية الاقتصاد القطري، وتسهيل التنوع الاقتصاد وتطوير المهارات المحلية، من خلال رؤية طموحة بأن يكون من بين أوائل المؤسسات الاستثمارية، وضمن رؤيته يسعى إلى أن يكون الشريك الأفضل لاختيارات المستثمرين والممولين الدوليين ووجهتهم. منذ تاريخ انشاء صندوق قطر السيادي استطاع جهاز قطر للاستثمار تعزيز استثمارات قطر في الاسواق العالمية في أوروبا والولايات المتحدة الامريكية ودول الآسيوية والمحيط الهادي، وابرز هذا الجهاز قدرات فائقة في تنويع الاستثمارات بصورة مكنت قطر من ترسيخ استثماراتها حول العالم بفهم وادراك كبيرين لأهداف الجهاز ومخاطر الاعتماد على اسعار الطاقة وموارد النفط والغاز، حيث تمكن فائض رأس المال القطري اجراء العديد من الصفقات والاستحواذ على العديد من المشاريع الاستثمارية في الاسواق الدولية، وبلغ حجم الصفقات والاستحواذ، التي أبرمها جهاز قطر للاستثمار وشركات القطاع العام والخاص مليارات الدولارات موزعة على مختلف دول العالم. وحسب تقرير في ديسمبر 2017م، واستنادًا على أصول صناديق الثروة السيادية العربية المدرجة في تقرير (SWF Institute) المتخصص في دراسة ورصد استثمارات الحكومات والصناديق السيادية العالمية، احتلت قطر المرتبة العاشرة عالمياً من 78 صندوقاً سيادياً يشملها ويرصدها التقرير حيث تقدر اصول جهاز قطر للاستثمار 335 مليار دولار امريكي.
          ومن اهم استثمارات الجهاز محلياً استثماره في بورصة الدوحة حيث يعتبر اكبر مستثمر، ويمتلك حصة كبيرة في بنك قطر الوطني الذى يعتبر من اكبر البنوك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمؤسسة المالية الرائدة في دولة قطر،  وشركة اوريدو للاتصالات التي تنتشر وتعمل في اثني عشر دولة حول العالم، ويمتلك الجهاز الخطوط الجوية القطرية ونادي الغرافة. وفي اوروبا يمتلك الجهاز حوالي 6 في المائة من شركة الفضاء الأوروبية العملاقة (ايرباص)، و15.1 في المائة من أسهم سوق لندن للأوراق المالية، و17 في المائة من مجموعة فولكسفاغن وحصة في شركة بورش، كما يعتبر جهاز قطر للاستثمار أحد المساهمين في مجموعة لاغاردار بنسبة 12.83 في المائة. واستحوذ على نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم. واشترى الجهاز 100 في المائة من رأس مال نادي باريس سان جيرمان لكرة اليد. ايضا امتلك في فرنسا مجموعة من الفنادق وهي فندق لومبار، فندق كينسكي، فندق لاندولفو كاركانو، فندق إفرو، فندق ماجيستيك، فندق غراي دالبيون، فندق كواسلان، وكذلك في شارع الشانزليزيه باريس يمتلك الجهاز أبنية ومقار كل من فيرجن ميغا ستور، اتش اس بي سي، ليدو، رويال مونسو، وبينانسولا، واستحوذ على لويس فويتون الفرنسية المتخصصة في المنتجات الجلدية والملابس الجاهزة والأحذية والساعات والمجوهرات، بالإضافة إلى حصة مقدرة في شركة توتال الفرنسية المشهورة. ويقدر كذلك مجموع استثمارات الجهاز في بريطانيا بحوالي 45 مليار دولار، ومن هذه الاستثمارات ناطحة السحاب شارد في لندن وحصص في شركة رويال داتش شل للطاقة وشركة سينسبري لتجارة التجزئة، ولديه حصص مقدرة في  فندق سافوي بالعاصمة لندن، وكذلك فندق انتركونتيننتال الفاخر الواقع في منطقة بارك لين، بالإضافة إلى متجر هارودز وبرج بنك أتش أس بي سي، ويمتلك 9 في المائة من شركة غلينكور البريطانية السويسرية لتجارة السلع الأولية والتعدين، كما يمتلك أكثر من 6 في المائة من أسهم بنك باركليز، و22 في المائة من شركة سينسبري. وفي ايطاليا استحوذ على بيت الأزياء الإيطالي الشهير فالنتينو الذي يعتبر من أكبر بيوت الأزياء حول العالم. وفي الولايات المتحدة وضع خططا لاستثمار 35 مليار دولار بحلول عام 2020م، ويعتبر الجهاز رابع أكبر مستثمر في المباني الإدارية بالولايات المتحدة، وتبلغ مشروعاته في نيويورك نحو 8.6 مليارات دولار، واستحوذ على شركة ميراماكس السينمائية الأميركية. وفي أميركا اللاتينية استحوذ على أكبر شركة طيران في صفقة بلغت 613 مليون دولار، وفي روسيا تمتلك قطر في شركة روسنفت الحكومية العملاقة لإنتاج النفط حصة تمثل 9.75 في المائة تقدر قيمتها بحوالي 6.8 مليار دولار؛ ولدى الجهاز استثمارات في اسيا وفي أكبر بنوك الصين، وفي تركيا.
          ووفقاً لصندوق النقد الدولي بلغ حجم الاقتصاد القطري حوالى 170 مليار دولار وانه لا يعتمد على قطاع الطاقة فقط، فهناك قطاعات غير النفطية تشكل حوالي 61 في المائة من الحجم الكلي للاقتصاد القطري؛ وهذا ما مكن دولة قطر من تجاوز تبعات الحصار الظالم التي تعرضت له وفوتت الفرصة على المحاصرين للإضرار بها؛ وهذا نتيجة إدماج المعارف العلمية والتقنية والاقتصادية والقانونية والجيوسياسية.

الخميس، 18 أكتوبر 2018

نحو الاندماج المصرفي

          في ظل الظروف الاقتصادية المتردية وحجم التعثر المصرفي وفقدان ثقة الناس في الجهاز المصرفي والبنوك في الفترة الاخيرة على المستوى المحلي؛ واشتداد المنافسة منذ بداية حقبة العولمة، وتنوع المخاطر، وضغوط العمل المصرفي ومتطلباته لتطبيق التقنيات الحديثة لمواكبة هذه العولمة وافرازاتها وحتمية البحث في انتاج خدمات ومنتجات مصرفية جديدة تواكب الظروف الاقتصادية للسودان وتكنولوجيا المعلومات، واستيفاء متطلبات لجنة بازل للرقابة المصرفية؛ كان على البنوك السودانية وسوق العمل المصرفي التفكير والانفتاح نحو الاصلاح والاندماج لمواكبة اتجاهات الاندماج الدولية حيث أننا نعاني من ضعف الوحدات المصرفية وصغرها. وفي البداية لابد أن نفرق بين الدمج المصرفي من خلال تدخل الحكومة والاندماج الوديّ، حيث أننا نقصد الاندماج المصرفي الوديّ الذي يؤدى الي اتحاد مصرفين أو اكثر وذوبانهما في كيان مصرفي واحد بحيث تتحقق اهداف لا يمكن تحقيقيها بالعمل بانفراد، وبناء وزيادة ثقة العملاء والمتعاملين في قدرات البنوك المندمجة، وتحقيق وضع تنافسي افضل بزيادة قدرات الكيان الجديد بتجميع الموارد وبالتالي قدرته على المنافسة وتحقيق عائد يديم القدرة التنافسية. ويمكن ان يكون الاندماج لبنوك تعمل في نفس النشاط أو انشطة مختلفة.
          يحتاج النظام المصرفي السوداني الي كيانات جديدة مندمجة حيث يغلب الكم دون الكيف في هذه الكيانات، وحسب احصاءات عام 2008م نجد أن الكثافة المصرفية في السودان 69.70 لكل الف نسمة لكل فرع مصرفي، بينما الجزائر26.20 لكل الف نسمة لكل فرع مصرفي، السعودية  18.40 لكل الف نسمة لكل فرع مصرفي؛ حيث يعمل في السودان حوالى 37 بنكاً في ظل اقتصاد معدل الناتج المحلي الإجمالي فيه حوالى 97.16 مليار دولار،  بينما الجزائر فيها 22 بنكاً ومعدل الناتج المحلي الإجمالي حوالى 142.158 مليار دولار، والمملكة العربية السعودية بها 12 بنكاً ومعدل الناتج المحلي الإجمالي حوالى 646.4 مليار دولار، والسودان يحتل المرتبة 149 من 189 في دليل سهولة ممارسة أنشطة الاعمال التجارية بينما الجزائر في المرتبة 153 من 189، والسعودية في لمرتبة 26 من 189، وذلك حسب احصاءات 2014-2016م.كما أن بنوك السودان لا يوجد منها أي بنك ضمن المائة بنك عربي حتى الربع الاول من عام 2017م وهذا الوضع مستمر حتى الآن، اما على المستوى الافريقي بحسب رأس المال الأساسي احصاءات عام 2015م كان هناك فقط بنك الخرطوم وبنك ام درمان الوطني وكان ترتيبهما على التوالي 92/99 من مائة بنك افريقي.
          إن مواجهة التحديات الاقتصادية الكبيرة والمعضلات الاقتصادية على المستوى المحلي وخلق قدرة للتعامل والتعاطي مع التكتلات الاقتصادية العملاقة كالاتحاد الأوربي، واتحاد دول شمال امريكا للتجارة الحرة (النافتا)، والتكتل الأسيوي الباسيفيكي الاقتصادي (APEC) ، والتكتل المتوسطي بين الدول الاوربية المطلة على البحر الابيض المتوسط يضاف الى ذلك منطقة التجارة العالميةW.T.O ، هذه الظروف تجعل من غير المنطقي الاحتفاظ بوحدات مصرفية صغيرة تكاد لا تخدم حتى متطلبات الاقتصاد المحلي وإن فعلت ذلك يكون بصعوبة كبيرة؛ كما لا تستطيع القيام بالخدمات المصرفية العالمية التي تتطلبها التجارة الدولية؛ كما أن العولمة وتقنياتها المذهلة والسريعة التغير التي مرت بها الصناعة المصرفية العالمية تجعل من الضروري ان يكون هناك وحدات مصرفية ذات امكانيات وموارد مالية ضخمة في امكانها الاستثمار في تلك التقنيات حتى تستطع مواكبة اخر تطورات تكنولوجيا العمل المصرفي وهو الامر الذى يتطلب قدرات هائلة لن تتحقق لبنك بمفرده وخاصة في افريقيا ومعظم الدول العربية التي لا تزال رؤوس اموال البنوك فيها صغير او متوسط.
          التدهور الاقتصادي الحادث حالياً أو ربما يحدث على فترات مختلفة حتى لو كنا في سراء، هذا التدهور أو الازمات الاقتصادية العالمية في بعض الاحيان يجعل البنوك تواجه مشاكل كبيرة يستعصى على البنوك ذات الموارد المالية المحدودة؛ نظرا لحجمها الصغير مقارنة بالبنوك العملاقة التي نشأت من اندماج، هذه المشاكل الاقتصادية والازمات المالية من المنطقي أن تدفع البنوك الصغيرة الى التفكير في الاندماج لخلق قدرات رأسمالية كبيرة تمكنها من مجابهة التدهور الاقتصادية والازمات المالية، والآن وليس سراً ان بعض البنوك تواجه وسوف تواجه المزيد من الاوضاع المالية الصعبة التي ربما تؤدى بها الي حدود الافلاس بسبب التعثر، وعدم قدرتـها على مجابهة حركة السحوبات التي حدثت مؤخراً وهروب السيولة من البنوك بسبب سياسات بنك السودان المركزي، ايضا هروب رؤوس الاموال المحلية الى دول الجوار للاستثمار، وهروب الاستثمارات الاجنبية بسبب تدهور سعر الجنيه امام العملات الاجنبية؛ لكن لو اندمجت البنوك في كيانات اكبر حجماً  لشكلت كيانات كبيره قادرة على مواجهة الازمات.
          ومن اهم ايجابيات الاندماج انه يحقق ما يعرف باقتصاديات الحجم الكبير الذى به تنخفض النفقات بازدياد الانتاج وانخفاض تكلفة الوحدة، كما يتوفر بالاندماج قدرات تحقق طفرة في مجال التقنيات والتكنولوجيا الحديثة مما يسهل عملية التعاطي مع المنظومة المصرفية الدولية وأنظمة التجارة الالكترونية، من جانب آخر سوف تزداد قدرة البنوك المندمجة على تكوين احتياطيات تدعم المركز المالي للكيان الجديد وتحقيق الملاءة المصرفية (معيار كفاية رأس المال الخاص بلجنة بازل)، وترفع من قدرته على مواجهة الأزمات الطارئة، أيضاً يساعد الاندماج البنوك على دخول الاسواق العالمية بشكل قوي يمكنها من المنافسة والاستمرار، كما انه يساعدها في التوسع الإقليمي والدولي من خلال انشاء شبكة من الفروع الخارجية مما يساعد البنك على ربط العديد من اقتصاديات الدول مع مركزه الرئيسي وبالتالي مع اقتصاد السودان ككل، ايضاً من الايجابيات انشاء قاعدة من الموارد البشرية ذات الكفاءة القادرة على الابداع.
          نعم للاندماج سلبيات في مجالات محدودة في مجال التوظيف والكفاءات لكنها لا ترقى لمستوى الفوائد التي سوف تتحقق منه؛  فهل يتم التفكير ملياً في إحداث اندماج مصرفي للاستفادة من مزاياه ؟.

أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي

د. عمر محجوب محمد الحسين https://sudanile.com/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%...