الثلاثاء، 31 يوليو 2018

اقتصاديات الطاقة المتجددة

نسمع كثيراً عن الطاقة المتجددة فما هي هذه الطاقة ؟ الطاقة المتجددة هي الطاقة المستمدة من الموارد الطبيعية للبيئة ولا تنفد لذلك يستخدم لفظ متجددة عند تعريفها، وتنتج الطاقة المتجددة من الطاقة الشمسية، طاقة الرياح التي تعتبر اكثر الموارد المتجددة نمواً، الطاقة النووية، الطاقة المائية، الطاقة الجوفية، طاقة المد والجزر والطاقة الحيوية المستمد من الكائنات الحية سواء النباتية أو الحيوانية منها، وهي أحد أهم مصادر الطاقة المتجددة، على خلاف غيرها من الموارد الطبيعية مثل النفط والفحم الحجري، معنى ذلك تتوفر الطاقة المتجددة بكميات هائلة وغير محدودة لكن لا يستخدم ولم يستثمر منها إلا كميات قليلة بسبب عدم توفر التكنولوجيا ورأس المال اللازم. وتعتبر الطاقة المتجددة طاقة صديقة للبيئة وهي متوفرة في كل مناطق العالم بعكس الطاقة التقليدية التي تؤثر بشكل مباشر على البيئة وعلى حياة الكائنات الحية الموجودة على سطح الأرض، وذلك باعتمادها على الوقود الأحفوري والبترول، وتسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض، وتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري. وارتبط الاهتمام بالبطاقة المتجددة والسعي نحو الاستفادة منها بعد أزمة البترول عام 1973م؛ لكن اصبحت مسألة مهمة جداً لا يخضع الاهتمام بها لتقلبات أسعار البترول أو الغاز، حيث اصبحت تحركها نظرة واقعية لمحدودية مخزونات الطاقة القابلة للنفاذ وآثارها المدمرة على البيئة وحجم الطلب المتنامي على الطاقة حول العالم وأثرها على الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية.
وتنبع أهمية الطاقة من أنها تدخل في مفهوم الموارد الاقتصادية سواء كانت بيولوجية أو فيزيائية، وعند استغلالها تعود بالنفع على الدول وشعوبها وكثير من الشواهد التاريخية تدل على ذلك، لكن كانت هذه الموارد موارد قابلة للنفاذ مثل الفحم الحجري والنفط والغاز وتسمى الموارد غير المتجددة بمعنى أنها موجودة في الطبيعة بكميات محدودة وما يستنفذ منها لا يعوض، رغم ان وجود الموارد أو احدها يشكل ثروة لأى بلد وبالتالي تؤثر على اقتصاديات هذا البلد بدءً من نوعية النشاط الاقتصادي ومسار خطط التنمية والازدهار والرفاه الاقتصادي. وينبغي أن نضع في اعتبارنا أن هذه الموارد غير المتجددة يكون لها تأثير سالب على البيئة حيث أنها تؤثر على نظم البيئة، والتلوث، واستنزاف الموارد الذى سوف يؤثر على الاجيال القادمة التي لن تجد هذه الموارد متاحة التي هي ليست ملك جيل واحد فقط، أيضاً السعي الى هذه الموارد يشعل الصراعات والحروب الاقليمية والدولية. 
ارتبط علم الاقتصاد بالموارد الاقتصادية بسبب الحاجات المعتمدة على الموارد واشباعها، وتعتبر دراسة اقتصاديات الموارد من الدراسات الحديثة في مجال علم الاقتصاد؛ وهي تعنى بدراسة الجوانب الاقتصادية للموارد والبيئة. ويعرف الاقتصاد البيئي بأنه (العلم الذى يقيس بمقاييس بيئية الجوانب النظرية والتحليلية والمحاسبية للحياة الاقتصادية بهدف المحافظة على التوازن البيئي بما يحقق النمو المستدام). وهناك تداخل قوى وعلاقة تبادلية بين ما يحقق من ارباح نتيجة تشغيل الموارد وبين تدهور البيئة مثلا بسبب استخدام واستغلال تلك الموارد وما ينتج عنها من مخلفات.
يلعب القطاع العام دورا حاسما في تهيئة بيئة الاستثمار في الطاقة المتجددة من خلال البرامج والسياسات التي تضعها الدولة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى وزيادة جاذبية قطاع الطاقة المتجددة أمام المستثمرين من القطاع الخاص.
وتستطيع الحكومة استثمار الأموال العامة في مصادر الطاقة المتجددة، ولا سيما عن طريق مؤسسات تمويل التنمية الثنائية والمتعددة الأطراف، والصناديق الوطنية وغيرها من المؤسسات المالية الوطنية. يمكن لهذه الآليات المالية العامة أن تساعد في ضخ التمويل الأولي اللازم في قطاع ناشئ أو القطاعات التكنولوجية الجديدة، وعلى أن تتحمل الدولة مخاطر الاستثمار في هذا المجال لزيادة ثقة المستثمرين من القطاع الخاص، وتخفيض تكاليف التمويل. تتميز مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتجددة بتكاليف تشغيل منخفضة، وعند الانتهاء من بناء منشآت التوليد، تكون هناك تكلفة إضافية قليلة لإنتاج الطاقة لكل سنة. والناس في المنازل يشترون فرن غاز وفي الوقت نفسه لا يشترون كل الغاز الذي سيستخدمه الفرن على مدى حياته. ومع ذلك، فإن هذا هو بطبيعة الحال ما هو متوقع لمعظم مصادر الطاقة المتجددة.، عكس البترول والغاز بالإضافة الى تكاليف بناء المحطات يتم شراء الحقل.
          تأتى البرازيل في مقدمة الدول التي استثمرت في هذه الطاقة حيث بلغت استثماراتها حوالى 48 مليون دولار، ثم بريطانيا 9.2 مليون دولار، والهند 7.3 مليون دولار، وباكستان 4.3 مليون دولار، والمانيا 3.7 مليون دولار، لكن لا أثر لأى استثمارات في السودان في الطاقة المتجددة خلاف الطاقة الكهرومائية التي يتعرض انتاجها الى تقلبات موسم الامطار وكذلك الخلافات بين دول حوض النيل؛ والآن فقط وقعت وزارة الموارد المائية والري والكهرباء وشركة (EMD International) الدنماركية عقدا لإعداد اطلس الرياح في السودان، نتمنى أن بداية لاستثمار واعد في استخدام الرياح لإنتاج الطاقة. أيضا هناك محاولات خجولة للاستفادة من الطاقة الشمسية في بعض الولايات التي تعانى من شح الكهرباء. أيضاً الانظمة التشريعية في السودان تعيق التقدم والاستثمار في مجال الطاقة المتجددة.
يمكن ان تلعب صناديق المعاشات، وشركات التأمين، والأوقاف، وصناديق الثروة السيادية التي تشكل معاً أكبر مصدر محتمل لرأس المال الخاص حسب الدراسات، دوراً حاسماً في زيادة استثمارات الطاقة المتجددة، حيث تدير هذه المصادر أكثر من 90 تريليون دولار أمريكي من إجمالي الأصول في البلدان المتقدمة وحدها. ونذكر هنا أن العقبة الرئيسة أمام انتشار استخدام الألواح الضوئية الشمسية تكمن في الكلفة؛ فهذا النوع من الطاقة مكلف مقارنة بالفحم أو الغاز، لكن يرى الباحثون أن الطاقة الشمسية سوف تصبح أقل كلفة بحلول عام 2025م لتصبح أرخص مصدر للطاقة في العديد من دول العالم. فمتى يستفيد السودان من مصادره المتنوعة والغنية ذات الطاقة المتجددة. 

الاثنين، 9 يوليو 2018

التنمية في السودان واقتصاد المعرفة

          إن التحولات الاساسية والكبيرة في التاريخ البشري منذ بدء الحضارات، وعصر الزراعة، والثورة الصناعية، والعصر الرقمي والتي تعرف بالتحولات الثلاث التي تعتبر انها حققت للبشرية ثورة في اسلوب الحياه نحو الرفاهية. كان يفترض أن يكون لنا في السودان منها نصيب ومصدر للازدهار والتقدم؛ من خلال ما يعرف باقتصاد المعرفة، لكن ما نراه اليوم لا يدل فقط على فشلنا في الاستفادة من اقتصاد المعرفة بل حتى مدى الاستفادة من مواردنا الطبيعية الوفيرة كمحرك للتنمية والتقدم من خلال ادارة الاقتصاد التقليدي، واذا لم نستفيد من العوامل الاقتصادية التقليدية قطعاً لن نستفيد من اقتصاد المعرفة حيث فشلنا في انتاج واستخدام المعرفة من خلال مؤسساتنا التعليمية والاكاديمية كما لا توجد لدينا شركات عاملة في مجال البحث والتطوير. فما هو مصطلح اقتصاد المعرفة؟
          ظهر هذا المصطلح في بداية ستينيات القرن العشرين لوصف تحول الاقتصاديات التقليدية الى اقتصاديات يكون انتاج المعرفة واستخدامها ذو أهمية من خلال التراكم المعرفي وتطوير العلوم والتكنولوجيا وقطاع المعلومات والاتصالات. وعرفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) اقتصاديات المعرفة (بأنها الاقتصاديات القائمة على المعرفة المتميزة والمستندة على التوزيع والانتاج واستخدام المعارف والمعلومات والاستثمارات ذات التكنولوجيا العالية والصناعات ذات التكنولوجيا الحديثة وتحقيق مكاسب في الانتاجية المرتبطة بها). وعرف البنك الدولي اقتصاديات المعرفة من خلال أربعة أركان، الهياكل المؤسسية التي توفر الحوافز لريادة الأعمال واستخدام المعرفة، توفر العمالة الماهرة وانظمة التعليم الفعالة، والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والوصول اليها، واوساط اكاديمية مبدعة والقطاع خاص والمجتمع المدني. لا شك ان هذه الاركان الثلاثة تحقق تحولات كبيرة تؤثر على الاقتصاد وبالتالي حياة المجتمع، حيث أن المعرفة في اقتصاديات اليوم المحرك الرئيس للمنافسة وبتأثيرها على المنتجات والابتكار. لكن علينا أن نفرق بين اقتصاد المعرفة المتمثل في المعلومات حيث يعتمد الانتاج على المعلومات التي تعتبر المنتج الوحيد في الاقتصاد؛ وفي اقتصاد المعرفة تتم خدمات عمليات المعرفة التي تنتج وتصنع المعرفة بما في ذلك عمليات البحث والتطوير والابتكار وتشمل كذلك تكاليف البحث والتطوير والادارة واعداد وتطوير الموارد البشرية، والعائد من هذه التكاليف على اعتبار انها عملية اقتصادية كاملة فيها تكاليف الانتاج وعوائد الادوات المنتجة؛ اما الاقتصاد القائم والمبني على المعرفة فهو أشمل واعم ومرحلة متقدمة من الاقتصاد المعرفي، وقطاع الاقتصاد المبنى على المعرفة اوسع ويشمل قطاعات المعرفة والمعلومات والاستثمارات وتكنولوجيا المعرفة المستخدمة في الانتاج.       
          وفي عالم اليوم نجد أن الدول التي تمتلك المعرفة هي التي تحقق الريادة وتتصدر خارطة الدول المتقدمة وبالتالي تحقيق الرفاه لمواطنيها. والتنمية بمفهومها الحديث ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية وربطت التنمية بعلم الاقتصاد في اول الأمر رغم انها ترتبط كذلك بالتنمية الانسانية، نذكر هنا ان العلامة ابن خلدون في مقدمته ذكر ان للإنسانية ثلاثة أبعاد، اقتصادية، سياسية وفكرية؛ أيضا وضع البنك الدولي مفهوم التنمية في صميم التنمية من خلال مبادرته المسماة المعرفة من أجل التنمية، على اعتبار أن الفجوة بين التنمية والرفاه الاقتصادي بين الدول المتقدمة والدول النامية يتمثل في القدرة على اكتساب المعرفة وليس في الدخل، وحدد البنك الدولي ان الفرق بين فئات المجتمع الفقيرة والغنية ليس في ضعف الموارد فحسب لكن في ضعف القدرة على انتاج المعرفة، ويعنى ذلك انه على الدول النامية التي تعاني من الأزمات الاقتصادية أن تدعم أنشطة انتاج المعرفة كدعمها لزيادة الدخل القومي من خلال جعل المعرفة وسيلة للإنتاج والتنمية الاقتصادية من خلال تقنيات المعرفة من تعليم تقني وتدريب مهني، البحث والتطوير وعمليات الابتكار، والاقتصاد وتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
          أما حال السودان بالقياس الي مؤشرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نجد في مجال مؤشرات نظم التعليم أنه لدينا مشكلات كبيرة في مخرجات العملية التعليمية، ومكتسبات الطلاب ومساراتهم، والمؤسسات التعليمية، وموارد انظمة التعليم. اما قطاع التعليم التقني والتدريب المهني فحدث ولا حرج فهو يعانى الأمرين وينظر اليه بأنه ادنى منزلة من المساق الاكاديمي لذلك لا يدخله إلا اصحاب الدرجات المتدنية بسبب عزوف الطلاب عنه ونظرة المجتمع، لذلك نجد ان مخرجات منظومة التعليم التقني والتدريب المهني ضعيفة جداً ويظهر ذلك من خلال وضع العمالة السودانية المهنية داخل سوق العمل وعدم قدرتها على المنافسة لقلة الكفاءة المهنية بالإضافة الى عوامل اخرى نفسية واجتماعية، وتنبع أهمية التعليم التقني والتدريب المهني في أنه يرفد سوق العمل في قطاعه المهني بالعناصر ذات الكفاءة المهنية والعمالة المعرفية الوسيطة. أما مؤشر التعليم العالي، في السودان غلب عليه التوسع الأفقي والكم دون الكيف على حساب المخرجات، والبيئة التعليمية والابتكار والجودة، كما كان التوسع دون النظر الى الموارد المتوفرة وسوق العمل. أما من ناحية مؤشر تكنولوجيا المعلومات الذي يلعب دوراً محورياً ومؤثراً في المعرفة حيث يدعم جميع القطاعات المكونة للمعرفة، وتقاس مؤشرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالبنية الاساسية للشبكات ووسائل الاتصال، المحتوى الرقمي، وتعرفة الخدمة ونطاق الاتصال بالانترنت ومدى اتساعه وكل هذه المؤشرات لم ننجح فيها.
نأتي الي مؤشر الاقتصاد المعرفي حيث نجد أن حال اقتصادنا التقليدي في اسوأ حالاته، فيغيب الابتكار والابداع وايجاد الحلول لذلك يعم التخبط في السياسات الاقتصادية والنقدية. وفي الاقتصاد المعرفي يتم التوسع في استخدام الكفاءات ذات المهارات العالية مع التدريب المستمر؛ وهذا المؤشر اثر عليه سياسة التمكين، أيضا اقتصاد المعرفة فيه توازن في علاقة الدولة بقطاعات الاعمال؛ لكن اليوم الحكومة خلقت علاقة غير متكافئة بدخولها السوق ومزاحمتها للقطاع الخاص ومنافسته مما خلق عدم الثقة والتنافر بين القطاع الخاص والحكومة. واذا ارادت الحكومة اصلاح الاقتصاد واحداث تنمية مستدامة عليها أن تدعم بقوة أنشطة انتاج المعرفة.

الجمعة، 6 يوليو 2018

الجهاز المصرفي وأزمة الثقة

يرتبط عدم الثقة في الجهاز المصرفي غالباً بالأزمات المالية التي ينتج عنها بالنسبة للبنوك مسارعة المودعين المذعورون الي سحب اموالهم من البنوك، واحجام البنوك اقارض بعضها البعض لانعدام الثقة، مما يتسبب في التباطؤ الاقتصادي. لذلك تسارع الحكومات والقادة السياسيون الي حماية النظام المصرفي ونذكر هنا الازمة الاسوأ 2007-2008م التي شهدتها الولايات المتحدة الامريكية وبقية العالم، حيث اقر الكونجرس خطة لإنقاذ البنوك الامريكية تبلغ قيمتها 700 مليار دولار سنوياً في عهد جورج بوش، وسارع ايضا القادة الاوربيون الي ايداع تريليونات الدولارات كضمانات للودائع والقروض بين البنوك لبث الثقة في نفوس مواطنيهم، لأنه معروف أن انهيار الثقة يعنى تعقيداً للازمات المالية وانهيار المزيد من المؤسسات المالية، معنى ذلك أن الدولة تكون هي الحامي والضامن للثقة وليس العكس. واهم المخاطر التي تتعرض لها البنوك مخاطر السمعة والثقة وهي قد تؤدي بالبنك الى الفشل والافلاس أو تقل ارباحه وقدرته على التمويل والاقراض.
          رغم انه حسب علمي لم يحدث انهيار فعلي لأي من المؤسسات المصرفية في السودان رغم الحديث عن تعثر بعض البنوك، لكن الازمة الاقتصادية الخانقة قد تحدث ذلك، وقد يحدث ذلك التعثر المصرفي الذى لازم البنوك السودانية، وضعف رقابة البنك المركزي، وانهيار سعر صرف الجنية مقابل الدولار بشكل سريع منذ يناير 2018م ونذكر أن الناس سارعت الى سحب ودائعها لشراء الدولار والاصول للمحافظة على قيمة اموالهم، وفي فبراير 2018م وضع بنك الخرطوم سقفاً للسحب في حدود 30 ألف جنيه لكل عميل بسبب اقبال العملاء على سحب كامل مدخراته، أيضا الاجراءات الأخيرة التي اتبعتها الحكومة للسيطرة على السيولة النقدية؛ واي بنك يعاني من نقص في السيولة ولم يكن يملك سيولة سريعة فهذا يعني انه أفلس وقد يكون رأس ماله قد تآكل لأن الصرف على البنود التشغيلية ربما تكون على حساب ودائع العملاء. لكن ازمة الثقة في اعتقادي بدأت منذ وقت مبكر بقرار تبديل العملة في عام 1991م والذى كان هدفه امتصاص السيولة خارج الجهاز المصرفي وادخال الدينار بدلاً من الجنيه والمشكلة لم تكن في القرار ولكن ما تبعه من قرارات اخري مثل تقييد حدود السحب من الحسابات وتحديد الفئات النقدية للمبالغ المسحوبة من الحسابات، مما أدى الي لجوء التجار الي الاحتفاظ بأموالهم خارج الجهاز المصرفي، وهذا الاتجاه من العملاء عطل الادخار وبالتالي انقاص مجمل قيمة الاستثمار واوقف حركة نماء الدخل العام، وأعاق النشاط الاقتصادي بصورة عامة، أيضاً كان العملاء يسحبون أموالهم مجرد تحصيل شيكاتهم او ورود تحويلات الي حساباتهم؛ من جانب آخر كانت هناك ظاهرة على من جانب بنك واحد تقريباَ وهي التلاعب في عدد الاوراق النقدية في كل حزمة نقدية عند صرفها ولم تتعامل السلطات النقدية بحزم في ذلك الوقت مع الظاهرة التي لا شك كان لها تأثير على الثقة؛ كما كانت اجراءات السحب من الحسابات المفتوحة بالدولار طامة حيث يتم تحديد سقف للسحب من الحساب ولاشك انها اجراءات منفرة جعلت الناس لا يفتحون حسابات بالعملة الصعبة؛ وظهرت في تلك الفترة ظاهرة التلاعب بتحويلات المغتربين الواردة خاصة تلك الواردة من الجماهرية الليبية، ايضا التلاعب في الحسابات الجامدة؛ وكثير من البنوك حول العالم أدت مخالفات القوانين والتعليمات، وخيانة الامانة والثقة التي اقدم عليها بعض العاملون الي الاساءة الي سمعة هذه البنوك وتوقف العملاء عن التعامل معها، ومعروف ان من اهم عوامل النجاح مدى ثقة العملاء في البنك، ونذكر هنا نقطة جد مهمة ألا وهي تلك الثقة المتعلقة بالسيولة النقدية وتوفرها دائماً لمواجهة مسحوبات العملاء، وحفظ حق العميل في سحب امواله متى ما شاء سواء كانت من حسابه الجاري او الودائع تحت الطلب، ولن نتطرق الي احتياجات البنك التشغيلية وقدرته على توفير التمويل للمستثمرين والعملاء لأن المشكلة الأخيرة في السودان لا تتعلق بالتحويلات بين الحسابات أو منح التمويل لكن كانت متعلقة بتقييد حدود سحب العملاء من حساباتهم.   
          وتنطوي الثقة على اركان ثلاث، الركن الأول متعلق بتوقع رد فعل الطرف الآخر، والثاني متعلق بإمكانية الاعتماد على الطرف الاخر، والركن الثالث متعلق بوضع الثقة الكاملة بالطرف الآخر، لذلك عند فقد العملاء للثقة في البنك ينزعون نحو سحب ودائعهم وربنا يكون ذلك على مستوى واسع يؤثر على البنك ووضعه المالي واستقراره، من جانب آخر قد يسحب العملاء ودائعهم خوفاً من اخفاض العائد بسبب تدني كفاءة العاملين في البنك وهذا ما يعرف بمخاطر المصداقية والثقة، فالتزام ومسؤولية البنك تجاه العملاء هي زرع الثقة، وتنشأ ثقة العملاء من خلال التزام البنك بما يتعهد به، ونقيض ذلك يزعزع أركان الثقة مما يؤدى احجام العملاء والمتعاملون عن الايداع والتعامل مع البنك، والثقة كذلك ترتبط بالتعامل والالتزام والارتياح والرضا وهذا ما يتوافق مع نظريات التسويق.  
          أيضا ظاهرة هروب رؤوس الاموال الي دول الجوار ربما ترتبط بضعف الثقة في القطاع المصرفي السوداني بسبب عدم قدرته على التعامل مع منظومة الصيرفة الدولية بسبب العقوبات الاقتصادية الامريكية، فبنوك دول الجوار تتميز بمنح تسهيلات كبيرة مع القدرة على التعامل مع القطاع المصرفي العالمي دون مشاكل.
          إن ما تسببت فيه اجراءات الحكومة منذ 1991م، كان خصماً على مجمل العمل المصرفي وساهم في زيادة اجواء عدم الثقة بين العملاء والبنوك، وتلوح في الافق نذر موجة سحب للودائع والاموال من البنوك في ظل وجود سبب قائم ومستمر الا وهو تدهور قيمة الجنية، وهذا السحب الجماعي للودائع سوف يتسبب في انهيار البنوك. ونسأل كيف سوف يتم معالجة هذه الازمة والخروج من ازمة الانهيار الحاد في ثقة العملاء في الجهاز المصرفي. 

أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي

د. عمر محجوب محمد الحسين https://sudanile.com/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%...