الأحد، 17 يونيو 2018

أثر سياسة التمكين على الاقتصاد

          التمكين في الاسلام يشمل جميع المسلمين وشتى المجالات، لكن الغريب ان المصطلح في السودان استخدم في غير معناه سواءً من حيث مفهومه في الاسلام او مفهومه في علم الادارة، ايضا استخدم بطريقة توحى بأن المسلمين فقط من ينتسبون لفكر معين وحزب معين؛ والتمكين ليس غايته الدنيا أو الثروة او المناصب انما اقامة الدين. اما من يقول ان هناك تفسير سياسي لمنهج التمكين يكون اما يتحدث عن دولة غير اسلامية أو فسره لتحقيق مكاسب سياسية ودنيوية وقطعاً هذا يتناقض مع المفهوم الدلالي في القران الكريم؛ كما قال الدكتور صبري محمد خليل في مقالة منشورة على موقعه الرسمي، علماً بان المفهوم الدلالي نفسه متعدد لتحقيق غايات متعددة.
          وفي علم الادارة يعتبر مصطلح التمكين Empowerment من المصطلحات الحديثة، وهو لا يتعدى كونه منح الموظفين حرية من خلال العمل لتوسيع نطاق تفويض السلطة، وزيادة المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات، والتحفيز الذاتي، والتأكيد على اهمية بيئة العمل وبناء الثقة بين الادارة والعاملين مما يؤدي الي تحفيز العاملين ابداعياً. أما من ناحية اهدافه فهو يهدف الي منح المنظمات قدرة ومرونة في الاستجابة لمتغيرات البيئة المحيطة بالمنظمة، والتخلص من طرق الأداء التقليدية، كما يهدف الي الغلب على البيروقراطية من خلال الاندماج الوظيفي؛ لذلك التمكين الوظيفي يؤثر على نجاح المنظمات ويعزز استمرارها ووجودها.
          الآن دعونا نلقي نظرة على سياسة التمكين التي اتبعتها الحكومة في بداية عهدها وأثرها الادارة والاقتصادي، فهذه السياسة (التمكينيه) ان جاز التعبير لم يكن هدفها ادارى او ديني، لكن كان هدفها حزبي بإحلال اصحاب الولاء للتنظيم مكان الكفاءات الموجودة من خلال قانون الصالح العام دون مراعاة للكفاءة المهنية والخبرة، واتبعت هذه السياسة من اجل ابعاد المعارضين للتنظيم، او من يظن انهم معارضين أو المشاكسين الذين يعلون ضوابط ونظم العمل والقوانين على الاوامر السياسية التنظيمية، وفيما بعد استخدمت هذه السياسة حتى ضد ابناء التنظيم المشاكسين. وهذا الاحلال خلق ارباك على مستوى الاداء العام للخدمة المدنية وكفاءتها، كما مكن لأناس عديمي الخبرة والكفاءة ولا يخشون القانون بسبب السند التنظيمي الذى يجدونه، وهذا مكن للفساد الاداري والمالي داخل منظومة الخدمة المدنية مما أدى الي عجزها عن اداء دورها بل ضرب المنظومة القيمية والاخلاقية، لذلك عجزت عن القيام بدورها في تحقيق التنمية والنهوض بالسودان، من جانب آخر نرى ان الفساد الحادث كان مدخله التمكين الذى جلب أناس لا يهابون القانون كما ذكرنا ولا يخافون من العقاب، ويعملون بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، كما ان هذا التمكين جلب مفسدين اظهروا ولائهم الى الانقاذ وبعد ان تم استيعابهم وتعيينهم لوثوا بصورة متعمدة بالفساد حتى يسهل قيادهم لتنفيذ مخالفات وفساد لصالح آخرين، لذلك اختلت اخلاقيات الادارة نتيجة لاختلال قواعد والمبادئ التي تحدد السلوك القويم والسلوك الخاطئ واختل بالتالي القرار النموذجي الذى يأخذ الاعتبارات المادية والاخلاقية عند اتخاذه، حيث تحول القرار الي قرار ذو اتجاهات حزبية ومادية لا تضع في اعتبارها الاعتبارات الاخلاقية المتعلقة بالبعد الخارجي المتمثل في المواطن؛ وانعدمت الشفافية بمفهومها الاداري فلا مساءلة ولا معلومات ولا اخلاقيات. وأذكر هنا مقولة قالها احد كبار المنظرين الذى قيل له أن فلاناً يعاكس ولا ينقاد فقال لهم (ارموا له الشطر).
          هذا النهج مكن لكثير من المفسدين ومكن للفساد حتى خارج منظومة الخدمة المدنية بالاستفادة من التسهيلات التي يوفرها لهم الموظفون الذين تم تمكينهم، واذكر هنا قصة لاحد الذين تقدموا من خلال مناقصة لتنفيذ عقد واذا به يتصل به موظف ليقول له أن هذا الذى تقدمت به قليل ارفع السعر الي ثلاث اضعاف ليسهل الامر من ثم يطالب الموظف بنسبة من قيمة مقدرة، وآخر مكن احدى الشركات من الحصول على مناقصات بعد اتفاقه معهم على نسبة من الارباح، وفي قصة حديثة متعلقة بعقود نظافة الخرطوم طلب الموظف وآخر معه نسبة 20 في المائة من اجمالي قيمة العقد لتسهيل الامور رغم ان هذه الشركة الاجنبية قدمت تخفيضات مقدرة للجانب السوداني. ونلاحظ أنه حدث تمكين داخل الخدمة المدنية وتمكين آخر في مجال المال والتجارة والأعمال والمصرفية منع آخرين من اخذ فرص عادلة في السوق ادى الي افلاسهم وآخرين اقعدتهم عن تطوير اعمالهم التجارية. وهذا قطعا أثر على مسيرة الاقتصاد السوداني وعطله واكسب السودان سمعة سيئة جدا انعكست على تصنيفه الائتماني الذى يعتبر مدخلاً للحصول على القروض وحتى الهبات.
          ومن خلال مبدا التمكين وبدلاً من أن يكون هناك اطار أخلاقي للالتزام بالقيم ظهر اطار التزام بمبادئ الحزب والتنظيم الذى لا شك فيه الانانية والايثار، وهذا الاطار أثر على الانفاق الرشيد والترشيد في المصروفات العامة التي تستقطع الكثير من موازنة الدولة. ان الفساد الاداري في القطاع الحكومي تطور واصبح ظاهرة معقدة واسعة الانتشار ومتعددة الاساليب والقدرات، وخلق اتحاد بين دواوين الدولة والقطاع الخاص والقطاع الخاص الحكومي اهدر موارد الدولة وعطل خطط التنمية واضاع حقوق المواطنين، وأثر على الاقتصاد ككل، وضرب صميم أخلاق المجتمع في مقتل.
          ان سياسة التمكين السياسي اصبحت الادارة ذات بمفهوم ضيق طويل الامد وابتعدت عن المفهوم الشامل طويل الامد واصبحت الوحدات الحكومية ومؤسسات الدولة ليست ذات أهداف اجتماعية وانما اصبحت وحدات ذات أهداف ضيقة تستفيد منها فئة معينة، واصبح الاقتصاد لا يقوم على معايير اقتصادية مقبولة وانما حسب مسكنات وتجارب، وبذلك تشكل ما يعرف بالقانون الحديدي للمؤسسات وفيه يهتم المسيطرون على المؤسسات بقوتهم ضمن المؤسسة بدلا من قوة المؤسسة نفسها. لذلك شاعت المعايير المادية بلغة النقود على حساب المعايير الاخلاقية بلغة القيم والمبادئ.

الأربعاء، 13 يونيو 2018

أثر الفساد الاداري على التنمية الاقتصادية والاجتماعية

          تزايد الفساد الاداري في الآونة الاخير واصبح حديث المجالس والمنتديات وتناوله كثير من الكتاب والائمة من على منابر المساجد، على اعتبار انه ظاهرة خطيرة لها تأثير بالغ الضرر على المجتمع والنشاط الاقتصادي والتنموي، ورغم ان انتشاره ليس حصرا على السودان بل هو ظاهرة منتشرة في كثير من الدول النامية مع اختلاف مستوياته واختلاف الاسس الفكرية للتنظيمات السياسية والاخلاقية التي تحكم، لكن اذا نظرنا الي السودان نجد انه ارتبط بالتنظيم السياسي الحاكم بصورة اساسية ومكن من انتشاره وساعد على اتساع رقعته، كما ارتبط بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للموظف العام. ومعظم الدراسات تشير الي أن الفساد الإداري في الدول النامية يصحب عادة عمليات التنمية الاقتصادية؛ وفي السودان أخذت هذه الظاهرة بالظهور عقب انتهاء سنين الشدة وظهور ايرادات البترول التي غذت خزينة الدولة المتعطشة للمال، ومع ازدياد مصروفات الدولة وبداية الحصار الاقتصادي.
          تنبع اهمية محاربة الفساد الاداري ومعالجته من اثره المدمر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأثره على ثقة المؤسسات الدولية المالية والمؤسسات المانحة في الحكومة وكيفية ادارتها للموارد. ومن اهم اساليب معالجة الفساد الاداري معالجة أسبابه الرئيسة واعطاء مكافحة اولوية قصوى، لكن الحكومة اهتمت بالأجهزة الامنية التي تحافظ على النظام، وسياسة التمكين، ولم تهتم بالقضاء على الفساد الإداري لأنها لاعب رئيس في منظومة الفساد الاداري.
          اتجهت معظم الدارسات الفكرية الحديثة في العلوم الادارية والاجتماعية الي دراسة الظروف الاقتصادية والاجتماعية لتفسير الفساد الاداري، والظروف السياسية والثقافية والبيئة المحيطة بالمجتمع الذى ينتشر فيه الفساد، ومدى تأثير ذلك على سلوك الافراد الذين يسعون الى تحقيق اهداف مشروعة خاصة بهم لكن بوسائل غير مشروعة؛ وفي السودان أرى ان العوامل السياسية من خلال سيطرة التنظيم على مفاصل الدولة كانت ابرز عوامل انتشار وظهور الفساد الإداري، من خلال سيطرة منسوبي التنظيم على الوظائف العامة نتيجة لسياسة التمكين، ومن ثم استغلال النفوذ التنظيمي وتمكين المنتفعين الذين لا ينتمون للتنظيم سواء من اجل الترضيات أو لأنه لديهم قابلية للانغماس في الفساد عكس افراد التنظيم الصادقين بالتالي انتشرت الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ ومخالفة الانظمة واللوائح والقوانين. هذا يعنى ان التنظيم هو الحاضن الاوحد لمنظومة الفساد الاداري ومظاهره، وبشكل أقل المجتمع بسبب الفقر وبسبب الحاجة الى قضاء حوائجه التي لن تقضى إلا بالرشوة. وهذه الظاهرة الخطيرة كان لها الاثر البالغ في تهديد والقضاء على الكيان الإداري والاقتصادي ويتوقع أن تؤثر في المستقبل على الكيان السياسي ككل وعلى التنظيم الحاكم. وبما أننا ذكرنا أن اساس مدخل هذا الفساد كانت الوظيفة العامة بسبب الاخلال بالضوابط الادارية والقانونية المؤهلة لشغل الوظيفة العامة، ليس من خلال التحايل على القوانين والانظمة لكن من خلال القرارات السياسية ذات الطابع الاداري، والامثلة على ذلك كثيرة جداً في مجال الترقيات والترضيات وانشاء وتعطيل ادارات بغرض توظيف منتسبي التنظيم أو افراغها لتعطيلها ومنعها من تحقيق اهداف وجودها.
      الامر الخطير في السودان هو الرفض والانكار للاتهامات والمزاعم بوجود الفساد الإداري رغم المظاهر الواضحة والدالة عليه، حيث تتعامل الحكومة معها على اساس انها مزاعم من المعارضين وهى محض افتراءات، بل تتعامل مع هذه المزاعم على اساس انها تعدٍ على خصوصيتها؛ بدلاً من الاعتراف ودراسة الظاهرة وتشخيصها ومعرفة اسبابها من اجل ايجاد الحلول للحد منها والقضاء عليها، بل تزعم أيضا أن اصحاب الفساد ليسوا من افراد تنظيمها بل هم من خارج التنظيم تم الاستعانة بهم لأغراض معينة. لكن ندرك أن هناك علاقة قوية بين التغيرات السياسية والتنظيمية بكم ونوع الفساد الاداري المنتشر والذى يحميه التنظيم، فكم من قرارات تتخذ خارج الاطر الادارية والتنظيمية التي تحكم دولاب العمل وما على الادارة أو الوزارة إلا التنفيذ، لذلك استخدم أفراد التنظيم الفساد الاداري للتأثير على النشاطات البيروقراطية من خلال اسهام المتنفذين من افراد التنظيم في عملية اتخاذ القرارات الادارية داخل مؤسسات الدولة، ايضاً تجلى الفساد الاداري في سوء استخدام المال العام والملكية العامة، وسوء استخدام السلطة ومخالفة اسس واطر ومعايير المسئولية تجاه الدولة لصالح التنظيم، وتنشأ عملية الفساد بين الموظف وبين طرف خارجي يمثل التنظيم والسلطة الآمرة وذلك من خلال التضحية بالمصلحة العامة لصالح مصلحة التنظيم.   
          وعددت الدراسات الاسباب المؤدية للفساد الاداري من أوجه عدة نراها ماثلة امامنا في السودان وهي، الصفات الشخصية ترتبط بالتنظيم، الانتقال من مرحلة الفقر الى الغنى، الافتقار الى الوازع الديني والاخلاقي، العقوبات المتهاونة، تأثير القيم التنظيمية وطغيانها على المصلحة العامة، تهاون المجتمع مع المرتشين والرشوة عموماً لقضاء مصالحهم المتعطلة بدون سبب وغياب السلطة العليا وبعدها عن مشاكل الناس.
          وحتى يمكن ان تنجح الحكومة في ايقاف الفساد يجب عليها ابعاد سطوة التنظيم عن دولاب العمل ومنع تدخله في شأن المؤسسات العامة، واخذ ما تنشره وسائل الاعلام باعتبارها سلط رابعة على محمل الجد، واطلاق يد الاعلام لكشف الفساد، ونذكر هنا ما نشرته صحيفة الصيحة عن فساد متعلق بحيازة اراضٍ سكنية، وبدلاً من محاسبة المتهم الذى يتملك الان مكتب عقارات تم محاسبة صحيفة الصيحة وايقافها لزمن طويل جداً، تفعيل القوانين والتشريعات الخاصة بالفساد الإداري وتطبيقها على الكل بصورة عادلة.
          يمكن ان نقول ان الفساد في السودان يتمثل في تعريف روبرت تلمان الذى قال" الفساد الذى يسود في بيئة تساند فيها السياسة العامة للحكومة نظاماً بيروقراطياً، وتتم المعاملات في سرية [انعدام الشفافية] ولا تفرض جزاءات رسمية كالرشوة وتوظيف الاقارب [افراد التنظيم] من غير ذوي المؤهلات والخبرات وما الي ذلك". ان الفساد الاداري يؤدي الي تصدع النسيج الاجتماعي، وانهياراً اقتصادياً مما يحدث خللاً داخل الدولة يؤدي بها الى الهلاك، " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون". صدق الله العظيم

أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي

د. عمر محجوب محمد الحسين https://sudanile.com/%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%...